الأربعاء، 2 أكتوبر 2013

ليبيا بعد الثورة.. صاحبة الجلالة حرة مع إيقاف التنفيذ

الصحافة الليبية ليست حديثة العهد، بل إن ليبيا عرفت الصحافة والطباعة قبل غيرها من بعض الدولة العربية التي تعتبر اليوم رائدة في هذا المجال، فمنذ كانت طرابلس ولاية عثمانية ظهرت جريدة طرابلس الغرب عام 1866، وتؤكد المصادر والأبحاث والدراسات التاريخية أنه في سنة 1827 أصدر القناصلة الغربيون في طرابلس في أواخر العهد القرمانلي صحيفة مخطوطة باليد ومحدودة الانتشار ناطقة باللغة الفرنسية أطلق عليها اسم «المنقب الأفريقي» ولكونها ناطقة بلغة أجنبية لم تلق قبولا. كما كان بعض الليبيين، من النخبة، يطّلعون على بعض الصحف القادمة من أوربا في تلك الفترة. وأول صحيفة عربية تدخل الأراضي الليبية هي صحيفة «الوقائع المصرية»، وهي صحيفة ناطقة بالتركية والعربية، وكان ذلك سنة 1828، أما أول صحفي ليبي فهو السياسي حسونة أدغيس الذي سافر إلى أوربا مما مكّنه من الاطلاع على ثقافة الغرب. تولى أدغيس منصب وزير الخارجية إبان الحكم القرمانلي عام 1826. وبعد دخول ليبيا تحث الحكم العثماني تولى مهمة رئيس تحرير النسخة الناطقة بالفرنسية في الصحيفة الرسمية للدولة العثمانية سنة 1836، وهو عام وفاته في إسطنبول التركية، ليسجل بأنه أول مثقف وصحفي ليبي عمل في مجال الصحافة بغير لغته وخارج بلاده.
وعرفت ليبيا الطباعة في سنة 1859 مع دخول أول مطبعة بدائية للبلاد بغرض طباعة الأوراق الرسمية للولاية العثمانية، وكان مقرها السرايا الحمراء بطرابلس. ونظرا إلى صعوبة العمل بها قرر الوالي «علي رضا باشا» التعجيل بجلب مطبعة حديثة وأكثر تطورا، ودخلت هذه الآلة البلاد عن طريق مالطا في عام 1868. لتنطلق بعد ذلك مسيرة الصحافة الليبية التي بلغت أوجها في الفترة الممتدة من 1951 إلى 1969، شهد خلالها قطاع الصحافة تنوعا في الكم والكيف. ثم دخلت الصحافة الليبية مرحلة الانتكاسة مع الإطاحة بالملك وصعود نظام العقيد معمّر القذافي، الذي دام 42 عاما، كانت خلالها الصحافة الليبية شبه موءودة. ليعود الأمل من جديد مع ثورة 17 فبرار التي أنهت نظام القذافي وبعثت شمسا جديدة في سماء الصحافة الليبية لا يغشيها إلا بعض السحب التي تنتج عن التجاذبات السياسية الحادة والأوضاع الأمنية المنفلتة التي جعلت بعض الصحفيين الليبيين يدفعون حياتهم وسلامتهم الجسدية ثمن إعلاء صوتهم وحرية قلمهم ومنبرهم. ويؤكّد الصحفيون الليبيون أنهم مصمّمون على المضي قدما، رغم التهديدات والمصاعب التي تترصّد مهنتهم في ليبيا ما بعد الثورة، وذلك من أجل طي، وإلى الأبد، ممارسات القذافي من رقابة خانقة ومصادرة للحريات الإعلامية وتصفيات جسدية للصحفيين. وقد شهدت ليبيا الجديدة طفرة في العناوين الصحفية والمحطات الفضائية والإذاعية وسقط الكثير من المحرّمات التي كان يستحيل التطرّق إليها قبل الثورة. وتؤكّد الصحفية نرجس الغرياني، مديرة وكالة أنباء التضامن، لـ»العرب» أن ثورة 17 فبراير 2011 فتحت آفاق الحرية للصحافة الليبية وأخذ الإعلام الليبي منحى آخر. لكن الانفتاح الذي شهده قطاع الإعلام في ليبيا الجديدة صاحبه ظهور منابر إعلامية تعمل بأجندات حزبية، وهو أمر ولئن ترى مديرة وكالة أنباء التضامن الليبية لا ضير فيه، إلا أن أغلب هذه الأجندات غير وطنية وجرّت الصحافة الليبية إلى الابتعاد عن الحياد والموضوعية وفي كثير من الأحيان عن المصداقية في ظل عجز السلطات عن وضع قانون واضح للصحافة المحلية قياسا بما يحصل في الدول الأخرى وفشلها حتى وقت قريب في تعيين وزير للإعلام أو ناطق رسمي باسم الحكومة. وتضيف نرجس الغرياني: «الصحافة الليبية اليوم ابتعدت عن طرح ومُناقشة القضايا التي تهم المُواطن، وما أضحت تركز عليه وتُوليه اهتماما لا يتعدى الترويج لحزب أو شخص بعينه، ولا يخفى للعيان التباين في الاهتمام بالأحداث الحاصلة في البلاد وفق ما يتماشى مع أجندتها. لذلك ما لم تعمل السلطات على وضع قانون واضح للصحافة وتُقدم الدعم للمؤسسات المحلية حتى تُغلق باب الدعم الخارجي، الذي يُعد المُساهم الأول في عمل بعض مؤسسات الإعلام، فإن الصحافة الليبية لن ترتقي إلى المُستوى الذي ينشده الليبيون.
أعداء حرية الرأي
الكاتب الصحفي فتحي بن عيسى صاحب أول صحيفة ليبية خاصة تصدر بعد تحرير طرابلس بأسبوع، وهي صحيفة «عروس البحر». وقد لاقت هذه التجربة الصحفية الوليدة إقبالا، لكن بن عيسى يقول إنها توقفت لأن صوتها كان عاليا أكثر من اللازم، حيث تعرض مقرها للاعتداء في مناسبتين وفي المناسبة الثالثة تم خطف مؤسسها من قبل مجهولين في وضح النهار وإخضاعه لعملية تنفيذ إعدام وهمي. لهذا السبب توقفت رغم تأثيرها الملحوظ في الشارع والرأي العام من خلال أقلامها الناقدة والساخرة من كل الظواهر السلبية في ليبيا وهذا ما لم يقبله البعض من أصحاب النفوذ أعداء حرية الرأي في ليبيا.
فرصة التحول
كانت الصحافة الليبية بشكل خاص والإعلام الليبي بشكل عام أمام فرصة التحول الجذري نحو إعلام مستقل لو اتفق الصحفيون على لم شملهم وانتخاب مجلسهم الأعلى للإعلام، وفق الصحفي مصطفى حمودة. ويرى حمودة أنه في ظل هذا المجلس المتفق عليه كان سيكون وضع الإعلام أفضل مما هو عليه الآن، ولسار في اتجاه ضمان التأسيس للعملية الديمقراطية المفقودة حاليا وضمان نزاهة الانتقال باعتبار الإعلام مؤثرا على استقلال بقية القطاعات كونه يمثل صوت ضمير الشعب. ودعا الصحفيين والإعلاميين الليبيين إلى أن يشكلوا تكتلا قويا قادرا على فرض أجندات وطنية تنعكس بالإيجاب على مصلحة الوطن والشعب.. وبإلقاء نظرة سريعة على جل الصحف تجد أنها تعتمد على الكم وليس الكيف. وما أخشاه، أن يشكل هذا الواقع قطيعة بين الإعلام الليبي والشعب الليبي في الاتجاهين.. حيث في جله هو إعلام لا يعبر عن المواطن بل على أجندات شخصية ضيقة. والإعلام بصفة عامة لا يمكن له أن يزدهر إلا إذا تنامى في اتجاه متواز مع السلطة المستقلة الأخرى وهي القضاء، وفي ظل عدم لمس شيء على الأرض باتجاه إعادة تأسيس القضاء أو تفعيله وضمان استقلاليته ونزاهته، لا أرى أن الصحفي قادر على أن يؤدي دوره إلا بالتضحية وأن يقدم نفسه منذ الآن قربانا من أجل الوطن.. هناك من يحدثك عن حرية إعلام بدأت تأخذ مسارها في ليبيا وحجته في ذلك الكتابات الجريئة والطرح الذي يصرّح بكل شيء، وأنه يجد مساره بعيدا عن مقص الرقيب، صحيح أن الجميع يقول كل شيء.
ولكن هناك مناخا لا يسمح بتناول جوهر القضية، في ظل انتشار السلاح الذي يحول دون قيام الدولة، فيما يفترض بالصحفي أن يتناول قضية انتشار السلاح ومن الذي يغذيه ويدفع باتجاه تثبيت محتكريه على الأرض لأجل مساومة قد تجري في المستقبل، وبيع وشراء الوطن على طاولة المزادات.. يبقى موضوع السلاح ومن وراءه من المحظورات التي يقنع الصحفي نفسه بعدم التطرق إليها لكي لا يكون مصيره مجهولا. وحين يكون الإعلامي غير آمن على حياته لكلمة قالها، يعتقد أنها الحق، فلا يمكننا أن نسمي ذلك حرية، فالحرية بحاجة إلى أدوات راسخة في صلب الوطن تحميها، وبحاجة إلى تشريعات من صميم إرادة الشعب.. وأنا أرى أن البيئة الحالية يرافقها سلاح غير منضم، ولا تسمح بنمو وتشكيل منظومة إعلام ديمقراطي مستقل، طالما أن الصحفي يعمل بحذر، خوفا على حياته.. ما نعيشه اليوم باختصار شديد لا يمثل حرية إعلام، طالما ليست هناك دولة تحافظ على مكاسب الصحفيين والإعلامين، وطالما أن الحرية المدعاة لا تخضع لشروط وقواعد المهنية، هذه المرحلة مرحلة مؤقتة يسهل الانقلاب عليها. يتّفق أغلب الصحفيين الليبيين على أن المشهد الإعلامي العام في ليبيا تحرّر من الطوق الذي كان نظام القذافي يحيطه به رقاب الإعلاميين والصحفيين. ولكن هذا التحرّر لم يصاحبه إحساس كامل بالحرية، فطوق القذافي عوّضه طوق الميليشيات المسلّحة والسلاح الذي ينتشر دون رقابة في البلاد وكان سبابا في إنهاء حياة العديد من الصحفيين في ليبيا ما بعد الثورة، أحدثهم الإعلامي الليبي من أصل فلسطيني عز الدين قوصاد، كما نجا العديد من الصحفيين والصحفيات من عمليات اغتيال أو محاولات خطف وترهيب. لذلك ولئن حقّقت الصحافة في ليبيا، منذ ثورة 17 فبراير تقدّما ملحوظا وجاءت وفق تقارير دولية من بينها تقارير «فريدم هاوس» و»مراسلون بلا حدود» في مجال حرية الصحافة في العالم، إلا أنها لاتزال حريّة «مقيّدة».
المصدر: جريدة البشاير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق