طرابلس: (ميدل ايست أونلاين):-
لا تزال المصاعد التي تقف بين الطوابق وصوت المفاتيح وهي تغلق الأبواب
تتسبب في تسارع ضربات قلب علي العكرمي بعد أن انتهت الثلاثين عاماً التي
قضاها كسجين سياسي في سجن بوسليم في ليبيا. كما يمتلئ جسد
العكرمي بالكثير من الندوب. فقد تعرض للضرب والتعذيب بعد اعتقاله بتهمة
انتمائه إلى حزب اسلامي في عام 1973، على الرغم من أن عمره آنذاك لم يكن
يتجاوز 22 عاماً، خلال عملية "تطهير" البلاد من المثقفين التي نفذها الزعيم
الليبي السابق معمر القذافي. استخدم سجانو العكرمي شفرات
الحلاقة لجرح جسده ثم فركوا تلك الجروح بالملح. كما اضطر وغيره من السجناء
في سجن طرابلس للاستماع إلى تسجيلات لخطب القذافي لعدة ساعات. ونقلت
شبكة الأنباء الإنسانية "إيرين" عن العكرمي قوله "كانوا يشغلونها طوال
اليوم، ثم يتبعونها بالأغاني الثورية حتى فقد بعض السجناء عقولهم".
والعكرمي، الذي أفرج عنه في عام 2002، قضى ثاني أطول مدة في
السجون الليبية، ومن المقرر أن يمثل أحد الأشخاص الذين يلومهم على محنته
أمام محكمة طرابلس يوم 19 سبتمبر/ايلول. ويواجه عبدالله
السنوسي، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الليبية وزوج أخت زوجة
القذافي، اتهامات بارتكاب جرائم في سجن بوسليم، من بينها تدبير مذبحة راح
ضحيتها أكثر من 1200 سجين في عام 1996. ومن المتوقع أن ينضم إليه في قفص الاتهام 21 آخرين من المقربين من القذافي، من بينهم سيف الإسلام، نجل الزعيم الليبي السابق. وستكون
جلسة الاستماع مطابقة للقواعد الإدارية تماماً؛ إذ سيقوم المدعون بتسليم
تفاصيل التحقيق بشكل رسمي إلى دائرة ما قبل المحاكمة، حيث سيفحص القضاة
الأدلة لأول مرة ويقررون ما إذا كانت القضية تستحق التحول إلى محاكمة.
يذكر أن التهم الرسمية ليست واضحة حتى الآن، ولكن من المرجح أن
تشمل القتل والاضطهاد والتحريض على الاغتصاب وقتل المتظاهرين الذين خرجوا
إلى الشوارع خلال مظاهرات الربيع العربي. وستحظى الجلسة
باهتمام وقلق من قبل المدعين في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، الذين
يتهمون السنوسي وسيف الإسلام القذافي بقتل واضطهاد المتظاهرين خلال ثورة
فبراير/شباط 2011.
والمعروف أن المحكمة الجنائية الدولية تأسست لمقاضاة المسؤولين عن
جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في البلدان التي تكون فيها الدولة غير
راغبة أو غير قادرة على ملاحقتهم، لكن ليبيا تصر على أنها تستطيع تنفيذ
محاكمات عادلة وطعنت في مقبولية نظر المحكمة الجنائية الدولية في هذه
القضية. غير أن المحكمة لا توافق على ذلك، وبعد الكثير من
المشاحنات القانونية، رفض القضاة في مايو/ايار محاولة ليبيا الاحتفاظ
بالقذافي، ولكنهم لم يتخذوا قراراً نهائياً بشأن السنوسي حتى الآن. ورغم أن ليبيا ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، فقد تدخلت المحكمة بناءً على طلب من مجلس الأمن الدولي. ولكن من غير المرجح أن يمثل أي من الرجلين أمام المحكمة في لاهاي في المستقبل القريب.
وأوضحت حنان صلاح، الباحثة في الشؤون الليبية في منظمة هيومن رايتس ووتش أن "ليبيا ذكرت بوضوح أنها لن تسلمهما". وأضافت
أنه "من المقلق جداً أن نسمعهم يقولون علناً أنهم لن يسلموهما إلى المحكمة
الجنائية الدولية تحت أي ظرف من الظروف، رغم أنهم ليسوا قادرين على إثبات
قدرتهم ورغبتهم في إجراء محاكمة عادلة. ليبيا ملزمة بالتعاون مع المحكمة
الجنائية الدولية، ورفضها ذلك يعد مسألة خطيرة للغاية".
وفي شوارع طرابلس، حيث يعاني السكان من انقطاع الكهرباء وإمدادات
المياه وتزايد انعدام الأمن الناجم عن خروج الميليشيات عن نطاق السيطرة،
يقول أحد السكان أنه يشك في أن الحكومة ستحاول استعداء السكان الذين يشعرون
بالضجر أكثر من ذلك عن طريق تسليم القذافي والسنوسي.
وقال الصحفي عمر المسماري "من غير المرجح أن تسلمهما الحكومة إلى
لاهاي لأنها بالفعل تقع تحت ضغط شديد من الشارع. سيصاب الشعب الليبي بخيبة
أمل إذا ما أرسلوهما إلى المحكمة الجنائية الدولية لأن الناس يريدون
الانتقام". ويتفق معه طارق المجريسي محلل الشؤون السياسية
الليبي، الذي يرى أن الرأي العام يفضل محاكمة القذافي والسنوسي في ليبيا،
حيث سيتم إعدامهما إذا تيقنت المحكمة أنهما مذنبان. وأضاف
"الجميع سيشتاطون غضباً إذا تم تسليمهما إلى لاهاي، وسيضيع ما تبقى لدى
الناس من أمل في الحكومة، وسوف يتهمهم الشعب بالخنوع في مواجهة المجتمع
الدولي". وتابع "الانطباع السائد هو أن المحكمة الجنائية
الدولية ليست محكمة حقيقية، وأنهما سيقضيان ثماني سنوات في هذه المحاكمة،
ثم تتم إدانتهما بارتكاب جرائم ضد الأجانب، وليس الليبيين، ثم يجلسان في
زنزانة فخمة".
ويريد العكرمي، الذي سمع زملاءه السجناء يتعرضون للقتل بوحشية خلال مجزرة بوسليم، محاكمة محلية للسنوسي. وأضاف
"باعتباري ضحية، أفضل أن يحاكم هذا الرجل في ليبيا.. ينبغي أن يتمتع بكافة
وسائل الدفاع عن نفسه. يجب أن يكون كل شيء واضحاً وعادلاً. ولكن عليه أن
يدفع ثمن ما ارتكبه من جرائم".
وتحذر منظمة هيومن رايتس ووتش من أن النظام القضائي الليبي فوضوي
ومفكك ومن أن القضاة والمحامين يواجهون تهديدات بشكل روتيني، مما يجعل
الحصول على محاكمة عادلة أمراً مستحيلاً. وأستشهدت الناشطة صلاح بالهجوم الأخير على محامية في مصراتة كانت تعمل في قضية اختطاف طفل. وقالت "هذه المحامية هوجمت بشراسة أمام المحكمة بعد أن غادرت الجلسة، كما اختطف والدها وتعرض للتعذيب". كما أن سيف الإسلام القذافي نفسه معتقل منذ عامين في سجن الزنتان من دون محام. وتقول
صلاح أنه من غير المرجح العثور على محام محلي على استعداد لتولي قضيته،
طالما ظل في الزنتان، حيث تحتجزه مجموعة ميليشيا العجمي علي أحمد العتري،
وترفض تسليمه إلى طرابلس او المحكمة الجنائية الدولية.
ويشعر محللون مثل المجريسي بقلق شديد إزاء المشاكل التي تعرقل
النظام القضائي في ليبيا، ويقولون أن حل هذه المشاكل ينبغي أن يكون من
أولويات الدولة. وأكد أن "سيادة القانون أمر ضروري. لا
يمكن أن نرضى بهذه المحاكم الاعتباطية، التي تثبت أن هذه الثورة لا تختلف
عن ثورة معمر القذافي".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق