أسد الصحراء أو شيخ الشهداء أو شيخ المجاهدين، هكذا
لقب عمر المختار، المقاوم الليبي الذي حارب أكثر من عشرين عاماً وهو يبلغ
من العمر 53 عاماً في أكثر من ألف معركة حيث خاض حربا طويلة ضد قوات الغزو
الإيطالية منذ أن دخلت ليبيا عام1931. ولد عمر المختار فى
20 اغسطس1861واستشهد فى 16 سبتمبر 1931 حيث أُعدم شنقاً وكان يبلغ وقتها
73 عاماً وتربى المختار تربية إسلامية مستمدة من تعاليم الحركة السنوسية
القائمة على القرآن والسنة النبوية وتعلم على يد كبار علماء ومشايخ
السنوسية وانهال من العلوم الشرعية المتنوعة كالفقه والحديث والتفسير ويسبب
ذكاءه جذب المختار انتباه شيوخه واشتهر بالجدية والحزم والاستقامة
والصبر. ومع مرور الزمن وبعد أن بلغ عمر المختار أشدَّه،
اكتسب من العلوم الدينية الشيء الكثير ومن العلوم الدنيويَّة ما تيسَّر له،
فأصبح على إلمام واسع بشئون البيئة التي تحيط به وعلى جانب كبير في
الإدراك بأحوال الوسط الذي يعيش فيه وعلى معرفة واسعة بالأحداث القبلية
وتاريخ وقائعها، وتعلَّم من بيئته التي نشأ فيها وسائل فض الخصومات البدوية
ومايتطلبه الموقف من آراء ونظريات ثم انخرط فى صفوف المجاهدين. عاش
المختار حرب التحرير والجهاد، وعندما أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة
العثمانية 1911،وقصفت البارجات الحربية مدن الساحل الليبي،وبعد علمه بالغزو
الإيطالي، كان عمر المختار في مدينة الكفرة بقلب الصَّحراء في زيارة إلى
السنوسيين، وعندما كان عائداً من هناك مرَّ بطريقه بواحة جالو،وعلم وهو
فيها بخبر نزول الإيطاليين، فعاد مسرعاً إلى زاوية القصور لتجنيد أهلها من
قبيلة العبيد لمقاومة الإيطاليّين، ونجح بجمع1000 مقاتل معه، كما أسَّس عمر
المختار معسكراً خاصاً له في منطقةالخروبة، ثم انتقل منها إلى الرجمة حيث
التحق بالجيش العثماني،وأصبح المعسكر قاعدةً لهم يخرجون منها ويغيرون
باستمرارٍ على القوات الإيطالية. وعندما اندلعت حروب
البلقان عام 1912، أجبرت الدولة العثمانية على عقد صلحٍ مع إيطاليا وقَّعته
في لوزان، واضطرَّ نتيجةً لذلك قائد القوات العثمانية التي تقاتل
الإيطاليين على الانسحاب إلى الأستانة،فسخط المقاتلون،ونشبت معركة سقط
فيها قتلى من الطرفين، وعندما تأزَّم الوضع أُرسِلَ عمر المختار لفضّ
النزاع، فلحق بالمقاتلين ونجح بإقناعهم بالعودة والتخلّي عن فكرة قتال
العثمانيين. ظل عمر المختار يقاتل الايطالين توركَّزت
غارات وهجمات عمر المختار على منطقة درنة وابرزها معركة هامة نشبت في يوم
الجمعة 16 مايو عام 1913 دامت لمدّة يومين، وانتهت بمقتل 70 جنديا إيطاليا
وإصابة نحو 400 آخرين دارت في 6 أكتوبر من العام نفسه معركة بو شمال في
منطقة عين مارة، وفي شهر فبراير عام 1914 معارك أم شخنب وشلظيمة
والزويتينة. وكان عمر المختار يتنقَّل أثناء غاراته على
الإيطاليين بين منطقتي زاوية القصور وتكنس حتى وقوعهما في أيدي الإيطاليّين
بشهر سبتمبر عام 1913، وتواصلى المختار كثيراً مع قبائل منطقة دفنا وفي
هذه الفترة انتكست المقاومة الليبية نتيجة القحط الذي أصاب البلاد في عامي
1913 إلى 1915، ثم استيلاء القوات الإيطالية على أغلب المناطق الحيوية في
وسط وشمال برقة بشهر يوليو عام 1914. اكتسب المختار خبرة
كبيرة في أساليب وتكتيكات الحروب الصحراويَّة أثناء قتاله الفرنسيين في
تشاد، وكان له معرفة سابقة بجغرافيَّة الصحراء وبدروبها ومسالكها، وأخذ
المختار يقود رجاله في حملاتٍ سريعة على الكتائب العسكرية الإيطاليَّة،
فيضربوهم ضرباتٍ موجعة ثمَّ ينسحبون بسرعة إلى قلب الصحراء. عمل
المجاهدون الليبيّون على مهاجمة الثكنات العسكريَّة الواقعة على أطراف
الصحراء، وإيقاع الرتل وراء الرتل في كمين، وقطع طرق المواصلات والإمدادات
على الجيش الإيطالي، وقد أصابت هذه الهجمات المسؤولين العسكريين الإيطاليين
بالذهول، وأُحرج الجيش الإيطالي أمام الرأي العام في بلاده بعد أن لم
يتمكن من إخماد حركة بعض الثوَّار البدو غير المدربين عسكريًّا. سافر
المختار إلي مصرفي مارس 1923 لمقابلة الأمير محمد إدريس السنوسي واتفق
المختار معه على تفاصيل الخطة التي يجب أن يتبعها المجاهدون في قتالهم
الطليان على أساس تشكيل المعسكرات. وكررت إيطاليا الاتصال
بعمر المختار وعرضت عليه بأنها سوف تقدم له مساعدة إذا ما تعهد باتخاذ
سكنه في مدينة بنغازي أو المرج، وملازمة بيته تحت رعاية وعطف إيطاليا،
وأنها ستجعله الشخصية الأولى في ليبيا كلها وتتلاشى أمامه جميع الشخصيات
الكبيرة التي تتمتع بمكانتها عند إيطاليا في طرابلس الغرب وبنغازي، اما إذا
أراد البقاء في مصر فما عليه إلا أن يتعهد بأن يكون لاجئًا ويقطع علاقته
بإدريس السنوسي، وفي هذه الحالة تتعهد حكومة روما بان توفر له راتبًا ضخمًا
يمكنهّ من حياة رغدة، وهي على استعداد أن يكون الاتفاق بصورة سرية، لكن
المختار رفض واصرّ على الجهاد وقتال المحتل الأجنبي. شهدت
الفترة الممتدة بين عام 1924و1925مناوشات عديدة ومعارك دامية بين الثوَّار
والقوَّات الإيطاليَّة،وكان عمر المختار يُلقَّب بنائب الوكيل العام، وكان
هناك مجلس أعلى استشاري في المعسكر يترأَّسه عمر المختار، ويضم مختلف شيوخ
وأعيان القبائل، وقد أقرَّ حاكم برقة الإيطالي إتيليو تروتسي في مذكّراته
المنشورة بعنوان "برقة الخضراء"، بأنَّ تكتيك ملاحقة الثوار وضربهم
المستمرّ بالجبل الأخضر الذي اتبع منذ استلام الجنرال مومبيللي القيادة عام
1926 قد أدَّى إلى إنهاك القوة الإيطالية واستنفاذ قواها بقدر ما أنهك
قوات الثوار. وقام عمر المختار بتأسيس معسكرٍ للمجاهدين
في الجبل الأخضر، وأصبح يتولَّى بنفسه إدارته والإشراف على تدريب المقاتلين
وتنظيم هجماتهم ثم اتَّخذ منطقة شحات قاعدة عسكرية... وفي عام 1927
تبدَّلت قيادة الجيش الإيطالي في برقة، وتولّى أمرها القائد العام "ميزتي"،
وضاعفت الحكومة الإيطاليَّة من جهوداتها، فبذلت الأموال والوعود لزعماء
القبائل حتى يكفوا عن القتال، فأصابت نجاحًا كبيرًا أدي إلي سقوط الجغبوب
ومرادة وزلة وجالو وأوجلة ومرادة في أيديهم، وهو ما دفع المختار الى شن
غارات على درنة وما حولها حتى أرغم الطليان على الخروج بجيوشهم لمقابلته،
فاشتبك وانتصر عليهم في معركة شديدة، وفرّ الطليان تاركين عددًا من
السيَّارات والمدافع الجبليَّة والذخيرة. كما هزم المختار
القوات الايطالية فى معركو بئر الغبى، ومعركة أم الشافتير(عقيرة الدم) حتي
أصبحت القوات الإيطالية منهوكة القوى من شدة المعارك، حيث رحل المختار
النساء والاطفال والشيوخ إلي السلوم لحمايتهم وليسهل تحرك المجاهدين،كما
أيقن المُختار بضرورة العمل على التعريف بالقضيَّة الليبيَّة والنضال
الليبي ضد إيطاليا في البلاد الإسلاميَّة والأوروبيَّة على حدٍ سواء، فطلب
من بعض المجاهدين الهجرة إلى الخارج للتعريف بالقضيَّة َّفي البلدان التي
يحلّون بها، فكان من نتيجة هذا تشكيل الجاليات الليبيَّة في الخارج. وفي
1930 تمكن الايطاليين من الاشتباك مع المجاهدين في معركة كبيرة عثر
الطليان عقب انتهائها على نظّارات عمر المختار، كما عثروا على جواده؛ فثبت
لهم أنه على قيد الحياة، ووقع المختار أسيرأً في يد الطليان بعدما نجا آلاف
المرات من الموت والأسر، واجريت له محاكمة صورية واعدم شنقاً لكن تبقى
كلماته الثائرة الخالدة "إننا نقاتل لأن علينا أن تقاتل في سبيل ديننا
وحريتنا حتي نطرد الغزاة أو نموت نحن".
المصدر: بوابة الوفد الاليكترونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق