ايان مارتن:- قبل
سنتين، لم تكن سوريا في عناوين الصحف بل ليبيا، مع شغل المجلس الانتقالي
الليبي الذي قاد الصراع للإطاحة بالرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي مقعد
ليبيا في الأمم المتحدة، باعتباره الحكومة الجديدة للبلاد. لكن ليبيا
حالياً غائبة إلى حد بعيد عن وسائل الإعلام. وعندما يشار إليها، فإن ذلك
يعود في معظم الأحيان لاستشهاد المعلق بها لتسجيل نقطة فيما يخص سوريا.
وبالحد الأقصى، يجري ذكر ليبيا، كما العراق وأفغانستان، ككارثة بديهية في
التدخل الغربي. لكن ليبيا تستحق الاهتمام لذاتها، والبلاد
بالفعل تمر بفترة من المصاعب الكبيرة، حيث يجري تخويف المشرعين والسلطات
القضائية، وتجري اغتيالات وتفجيرات وعمليات اختطاف، وتعذيب أثناء الاعتقال،
وانقسامات جغرافية وعرقية، وتوترات سياسية وأيديولوجية تتفاقم بأحداث
الدول المجاورة، وحيث تمر مجموعات إرهابية عبر الحدود غير المنضبطة، وفي
الآونة الأخيرة، حصل تراجع حاد في تدفق النفط الليبي، بالإضافة إلى همود
عام للاستثمار نتيجة لانعدام الأمان.
غياب المؤسسات
ومتاعب ليبيا يفترض فهمها بناءً على شروطها الخاصة، وليس عبر
تعميمات سطحية بشأن الربيع العربي وتحوله إلى شتاء عربي. وإذا كان المحللون
في مصر يتحدثون اليوم عن "الدولة العميقة"، فإن ليبيا كانت تدعى بجدارة
"الدولة دون دولة"، حيث تفتقر للقوى الأمنية، ليس هذا فحسب، بل تركها
القذافي خالية من كل مؤسسة إدارة حديثة تقريباً. والانتخابات
في ليبيا، التي تشكل إنجازاً رائعاً، كانت ضرورية لمخاطبة التحديات التي
نشأت في مرحلة ما بعد الصراع، ولتلبية المطالبة الساحقة في ممارسة الحقوق
الديمقراطية التي كانت محرومة منها البلاد لفترة طويلة، جنباً إلى جنب مع
هشاشة الحكومة المؤقتة، لكنها كانت بعيدة عن أن تشكل شرطاً كافياً، كما
أظهرت الأحداث. فالمؤتمر الوطني العام المنتخب وحكومته
يعانيان من انعدام الخبرة والانقسامات. والخلافات تسود حول دور الأحزاب
السياسية، سواء الحديثة أو المنبثقة عن حركة الإخوان المسلمين التي عملت في
السر منذ مدة طويلة، وحول أهلية تولي المناصب من قبل أولئك الذين خدموا
تحت نظام القذافي. وتواجه محاولات تأسيس جهاز لصياغة
دستور جديد مشكلات تعود إلى نشأة ليبيا كدولة مستقلة من ثلاث مقاطعات سابقة
للإمبراطورية العثمانية في عام 1951. وفوق كل شيء، تكافح السلطات لتنظيم
عملية الانتقال من ميليشيات اليوم إلى بناء جيش وقوة شرطة يمكنهما تأسيس
احتكار الدولة للقوة.
الإحساس بالتفاؤل
وعلى الرغم من ذلك، تظهر الاستطلاعات أن الشعب الليبي يبقى
متفائلاً بشكل رائع، فيما يمارس حرياته التي حرم منها لفترة طويلة. ورغبته
في دولة يمكنها توفير حكم القانون يعبر عنها المجتمع المدني النابض
بالحياة، والذي يتحدى فوضى الميليشيات أحياناً. والقبائل
هي مصدر الصراع المحلي، لكن شيوخ القبائل هم أيضاً وسيلة لحل الصراعات،
وليبيا تفتقر للانقسامات الطائفية التي تعاني منها العراق وسوريا بدرجة
كبيرة. والثروة النفطية تقدم مستقبلاً أفضل لعدد سكان قليل، إذا ما أمكن
لجم مخاطر الفساد. وأخيراً، وجهت مجموعة من الخبراء
الأميركيين رسالة إلى وزير الخارجية الأميركي جون كيري ينصحونه فيها بزيادة
انخراط واشنطن في ليبيا. وجهات فعّالة دولياً يفترض أن تبقى منخرطة هناك
بالتأكيد، لكن أي نهج غربي مفرط في الحزم سوف يستفز رد فعل عنيفاً في
ليبيا، وهذه علامات يمكن رؤيتها منذ الآن في البلاد.
تفاهم مشترك
تم الاتفاق على إطار عمل لزيادة الدعم الدولي لكل القطاعات
الأمنية المهمة في ليبيا. وتقوم الأمم المتحدة بدعم جهود ليبيا في إطلاق
حوار وطني بين السلطات والثوار والمناطق والقبائل. وتبقى هناك حاجة لتفاهم
على أرث حقبة القذافي، إلى جانب إحساس واقعي بالوتيرة التي يمكن أن يجري
بناءً عليها بناء المؤسسات الديمقراطية والأمن وحكم القانون.
المصدر: البيان الإماراتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق