قبل
أقل من عامين، حض وزير الدفاع البريطاني السابق، فيليب هاموند، رجال
الأعمال البريطانيين على البدء "بحزم حقائبهم" والسفر إلى ليبيا للمشاركة
في إعادة إعمار البلاد، واستغلال الطفرة المتوقعة في الموارد الطبيعية، إلا
أن ليبيا اليوم أوقفت بشكل شبه تام إنتاجها من النفط، مع فقدان الحكومة
سيطرتها على قسم كبير من البلاد بسبب الميليشيات. وقد
استولى رجال أمن انتفضوا ضد قادتهم على موانئ النفط الليبية المطلة على
البحر المتوسط، وهم يسعون لبيع النفط الخام في السوق السوداء. ورئيس
الوزراء الليبي، علي زيدان، هدد "بقصف من الجو والبحر" لأي ناقلة نفط تحاول
نقل النفط غير الشرعي من مواقع حراس محطات النفط، وهؤلاء الحراس هم
بمعظمهم ثوار سابقون أطاحوا بالرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي، وكانوا
مضربين احتجاجاً على تدني الأجور، والفساد الحكومي المزعوم منذ يوليو
الماضي.
تفكك السلطة
وفيما انصب انتباه العالم على مدى الشهرين الماضيين على الأحداث
في مصر وعلى الهجوم بالغاز السام في سوريا، وقعت ليبيا، بعيداً عن الأضواء،
في إحدى أسوأ أزماتها السياسية والاقتصادية منذ هزيمة القذافي قبل عامين.
فالسلطات الحكومية تتفكك في جميع أنحاء البلاد، مما يثير الشكوك إزاء
المزاعم التي يطلقها السياسيون الغربيون بأن التحرك العسكري لحلف شمالي
الأطلسي "ناتو" في ليبيا في عام 2011، كان مثالاً بارزاً لتدخل عسكري خارجي
ناجح. وفي ظل أزمة متصاعدة، ليس لها اعتبار كبير خارج
أسواق النفط، تراجع الإنتاج الليبي من النفط الخام عالي الجودة، من 1.4
مليون برميل يوميا في مطلع هذا العام، إلى مجرد 160 ألف برميل في اليوم
حاليا. وعلى الرغم من التهديدات الإرهابية باستخدام القوة العسكرية
لاستعادة السيطرة على موانئ النفط، إلا أن الحكومة في طرابلس عجزت عن
التحرك بشكل فعال ضد الحراس المضربين والوحدات العسكرية المتمردة المرتبطة
بالقوات الانفصالية في شرق البلاد. والليبيون أصبحوا بشكل
متزايد تحت رحمة الميليشيات التي تعمل خارج سلطة القانون. ويجري الرد على
الاحتجاجات الشعبية ضد رجال الميليشيات بإطلاق النار عليها، وفي يونيو
الماضي، قتل بالرصاص 31 متظاهراً، وجرح العديد منهم فيما كانوا يتظاهرون
خارج ثكنات "لواء الدرع الليبي" في بنغازي، العاصمة الشرقية لليبيا. وقد
تجاهل المجتمع الدولي العنف المتصاعد في البلاد، ولم تول وسائل الإعلام
الغربية إلا القليل من الاهتمام للانهيار الوشيك للحكومة المركزية. وعملت
الميليشيات المحلية على نشر الفوضى في كافة أنحاء العاصمة طرابلس، حيث
استولت ميليشيات البربر التي قادت الهجوم على طرابلس في عام 2011 على مبنى
البرلمان بشكل مؤقت. ودعت منظمة "هيومن ووتش" ومقرها في نيويورك، إلى إجراء
تحقيق مستقل أخيراً في القمع العنيف لتمرد في سجن بطرابلس في 26 أغسطس
الماضي، حيث كان 500 سجين قد أضربوا عن الطعام، مطالبين بإحالتهم إلى وكيل
النيابة أو توجيه التهم اليهم رسمياً، إذ إن كثيرين منهم كانوا معتقلين من
دون أي تهمة موجهة ضدهم منذ سنتين.
العنف المتصاعد
وكانت الحكومة قد دعت اللجنة الأمنية العليا، المكونة من رجال
ميليشيات سابقين مناهضين للقذافي تحت سيطرة وزير الدفاع اسمياً، إلى
استعادة النظام، فأصيب ما لا يقل عن 19 سجيناً على الأقل بشظايا أعيرة
نارية، وقال أحد السجناء: "كانوا يطلقون النار علينا مباشرة عبر القضبان
المعدنية". وفي ليبيا هذه السنة، كانت هناك عدة محاولات فرار كبيرة من
السجن، بما في ذلك فرار 1200 سجين بعد اندلاع أعمال شغب في بنغازي في
يوليو. وقد استقال وزير الداخلية محمد الشيخ، أخيرا،
لشعوره بالإحباط من عدم القدرة على إداء عمله، حيث قال في مذكرة وجهها إلى
رئيس الوزراء الليبي علي زيدان، إنه يلوم نفسه لفشله في بناء جيش وقوات
شرطة، متهما ًالحكومة التي يهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين، بالضعف
والاعتماد إلى الدعم القبلي. ويشير بعض المعلقين إلى أن حرباً بين قبيلتين
ليبيتين، هما الزاوية وورشفانة، تدور على بعد 15 ميلاً فقط من مكتب رئيس
الوزراء. وقد تعرض عدد من الدبلوماسيين لهجمات في طرابلس،
حيث جرى نصب كمين لقافلة سفير الاتحاد الأوروبي خارج فندق كورنثيا المطل
على الواجهة البحرية. كذلك دمرت قنبلة السفارة الفرنسية. وأحد
الإخفاقات الكثيرة للحكومة التي تلت القذافي، هو عدم قدرتها على انعاش
الاقتصاد المحتضر. وليبيا تعتمد بالكامل على عائدات النفط والغاز لديها،
ومن دونها قد لا تكون قادرة على دفع المعاشات لموظفي الخدمة المدنية لديها.
تجاهل التدهور
يرى الكاتب الصحافي باتريك كوكبيرن أنه على الرغم من أن تدخل حلف
شمالي الأطلسي «ناتو» ضد القذافي كان مبرراً باعتباره استجابة إنسانية على
تهديد دبابات القذافي بذبح المعارضين في بنغازي، إلا أن المجتمع الدولي
تجاهل العنف المتصاعد في البلاد. فالمضربون في المنطقة
الشرقية ببرقة، والتي تحوي معظم النفط في ليبيا، يشكلون جزءاً من حركة أوسع
نطاقاً تسعى للحصول على المزيد من الحكم الذاتي، وتلوم الحكومة على
إنفاقها عائدات النفط في غرب البلاد. والعنف يتصاعد حيث
فر معظم الأجانب من بنغازي منذ مصرع السفير الأميركي كريس ستيفنز كما اشتدت
وتيرة العنف مع اغتيال المدعي العام العسكري العقيد يوسف علي الأصيفر،
المسؤول عن التحقيق بالاغتيالات، بانفجار قنبلة في سيارته في أواخر أغسطس
الماضي.
المصدر: البيان الاماراتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق