اندلعت
أزمة سياسية حادة بين جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا والحكومة
الانتقالية التي يترأسها الدكتور علي زيدان، على خلفية زيارته الأخيرة
للعاصمة المصرية، وسط معلومات عن اعتزام حزب العدالة والبناء، الذراع
السياسية للجماعة الانسحاب من الحكومة احتجاجا على سياسات زيدان في الداخل،
واجتماعه في القاهرة مع كبار المسؤولين المصريين، وخاصة الفريق أول عبد
الفتاح السيسي نائب رئيس الحكومة المصرية ووزير الدفاع والقائد العام
للقوات المسلحة المصرية. وعلمت «الشرق الأوسط» أن المكتب السياسي لحزب
العدالة والبناء الليبي سيجتمع بقيادة رئيسه محمد صوان غدا (الأحد) لاتخاذ
قرار نهائي يحسم مستقبل الحزب داخل الحكومة الائتلافية، التي يترأسها
الدكتور زيدان منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وقالت مصادر في الحزب لـ«الشرق الأوسط» إن هناك دعوات من بعض مسؤولي الحزب
للانسحاب من الحكومة وتجميد عضوية المحسوبين على الحزب في المؤتمر الوطني
العام (البرلمان)، الذي يعتبر أعلى سلطة دستورية في البلاد.
وهذه ليست المرة الأولى التي يهدد فيها الحزب بالانسحاب من حكومة
زيدان، علما بأن وزيري الكهرباء والداخلية التابعين للحزب استقالا أخيرا من
حكومة زيدان، بسبب ما عدوه تدخلا منه في عملهما، وعرقلة جهودهما. وأثارت
زيارة زيدان المفاجئة إلى مصر حفيظة إخوان ليبيا بشكل واضح، خاصة لقاءه مع
الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذي يتهمه «الإخوان» في مصر وليبيا بقيادة
انقلاب عسكري على الشرعية، التي كان يمثلها الرئيس المعزول محمد مرسي.
وانتقد حزب العدالة والبناء هذه الزيارة، وقال في بيان رسمي أصدره، أمس،
إنه يعي أن زيارة زيدان إلى مصر تأتي في إطار مناورة سياسية لخلط الأوراق
وشغل الرأي العام عن القضايا الداخلية، مشيرا إلى أن الحزب لن يلتفت لذلك،
ويقدر جيدا أهم استحقاقات المرحلة. ولاحظ البيان الذي
تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أن زيارة زيدان للقاهرة جرت في وقت تمر فيه
حكومته بظروف صعبة جدا، وسط مطالبات باستقالته من داخل المؤتمر الوطني
وخارجه، وذلك بسبب ما وصلت إليه الحكومة من فشل ذريع على كل المستويات،
وعدّ ذلك نتيجة الأداء السيئ لرئيس الحكومة، وفشله في حلحلة أهم الملفات،
وعلى رأسها ملفا بناء الجيش والشرطة، مما سبب كثيرا من الخروقات الأمنية
أدت إلى توقف شبه كامل لتصدير النفط، بعد سيطرة مجموعات مسلحة على الحقول
والموانئ، بالإضافة إلي تدمير محطات الكهرباء وسرقة الكابلات، وحدوث سلسلة
من الاغتيالات والاختطاف وانعدام الأمن. وقال الحزب إن
الزيارة تأتي وسط عجز كامل للحكومة، ناهيك عن تردي مستوى الخدمات للمواطن،
بسبب الفشل في تفعيل الحكم المحلي، بالإضافة إلى عدة ملفات أخرى، منها على
سبيل المثال لا الحصر ملف وزارة الخارجية المثقل بالفساد واستنزاف المال
العام. وفي انتقاد واضح للزيارة وللأوضاع الراهنة في مصر،
قال البيان إن حزب العدالة والبناء وكل الأحرار والشرفاء الذين يؤمنون
بالمسار الديمقراطي ويرفضون الانقلابات العسكرية ويحترمون حقوق الإنسان،
بغض النظر عن أي توجه أيديولوجي، «نبدي استياءنا الشديد من هذه الزيارة،
التي تحمل في طياتها مباركة واعترافا صريحا بهذا الانقلاب وقادته».
وأضاف البيان: «هذه الزيارة لا تنسجم مع مبادئ ثورة السابع عشر من فبراير
(شباط)، التي قدم خلالها الشعب الليبي عشرات الآلاف من الشهداء في سبيل
الحرية واحترام حقوق الإنسان ومن أجل نجاح المسار الديمقراطي، ناهيك من أن
تأتي هذه الخطوة من رئيس الحكومة ومن دولة تعد من أهم دول الربيع العربي،
هي ليبيا».
وكان المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة المصرية قد أعلن عبر
صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» أن زيدان، الذي زار مصر على
رأس وفد ليبي رفيع المستوى يضم وزيري الدفاع والخارجية الليبيين، التقى
الفريق أول السيسي بحضور الفريق صدقي صبحي رئيس أركان حرب القوات المسلحة،
وعدد من كبار قادة الجيش، وفايز جبريل السفير الليبي في القاهرة. وأوضح أن
اللقاء ناقش دعم وتعزيز التعاون بين البلدين، خلال المرحلة المقبلة في كثير
من المجالات، مشيرا إلى أنه تطرق إلى التطورات الراهنة على الساحة
العربية، وسبل دعم وتعزيز العلاقات والتعاون العسكري والأمني لمواجهة
التحديات المشتركة بين البلدين. وحسب المسؤول العسكري
المصري، أعرب رئيس الوزراء الليبي عن حرص بلاده على التنسيق والتشاور
المستمر مع مصر في جميع المواقف والقضايا المشتركة محليا ودوليا، ووقوف
ليبيا حكومة وشعبا لدعم القيادة المصرية الحالية والشعب المصري للمضي قدما
في تنفيذ خارطة المستقبل، والعمل على زيادة الاستثمارات بين الجانبين،
وتعزيز المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بما يحقق المصالح
المشتركة لكلا البلدين. في المقابل، أكد الفريق أول
السيسي على عمق العلاقات الاستراتيجية بين مصر وليبيا، لافتا إلى أنها تشهد
مرحلة جديدة من الشراكة والتعاون العسكري والأمني، بما يعود بالنفع على
الشعبين الشقيقين.
من جهة أخرى، دعت زوجة عبد الله السنوسي صهر العقيد الراحل معمر
القذافي ورئيس جهاز المخابرات الليبية الأسبق، الأمم المتحدة ومجلس الأمن
إلى ضمان سلامة زوجها المعتقل حاليا بأحد سجون طرابلس، وسلامة ابنتها
العنود المختطفة منذ يومين. وقالت زوجة السنوسي في تصريحات لها أمس من
القاهرة: «لا أمن ولا أمان، وأخشى على زوجي، وأتمنى أن ينقل إلى المحكمة
الجنائية الدولية لحمايته هو وابنتنا المختطفة»، مشيرة إلى أن السلطات
الليبية تحتجز ابنتها بعد اختطافها من قبل إحدى كتائب الثوار.
وبدا أمس أن قبيلة المقارحة التي ينتمي إليها السنوسي وابنته المختطفة قد
نفذت تهديداتها المعلنة قبل يومين بقطع المياه عن العاصمة طرابلس،حيث أكد
سكان محليون في المدينة لـ«الشرق الأوسط» أن مياه الشرب مقطوعة منذ الساعات
الأولى من صباح أمس عن معظم أحياء المدينة. وقال مسؤول
ليبي لـ«الشرق الأوسط» مشترطا عدم تعريفه، إن مجهولين عبثوا في منظومة
النهر الصناعي التي تغذي محطات المياه في المدينة، مما أدى إلى توقف عملها.
وأعلن مجلس طرابلس المحلي أنه يسعى بالتعاون مع بقية المجالس الفرعية
للتخفيف من حدة النقص في المياه، وذلك بالعمل على تشغيل بعض الآبار داخل
مدينة طرابلس، كما ناشد المواطنين التعاون فيما بينهم، وتقديم المساعدة في
هذه الأزمة. وكان مسؤولون ليبيون قد أكدوا لـ«الشرق
الأوسط» أن العنود البالغة من العمر 22 عاما، باتت تحت سيطرة وحماية الدولة
الليبية في الوقت الحالي لكنهم رفضوا الكشف عن موعد تسليمها لذويها.
المصدر: الشرق الأوسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق