بعد
الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي، ظن الجميع أن جماعة أنصار
الشريعة قد اضمحلت وانتهت، إلا أنها عادت إلى سابق قوتها وأكثر، مستقطبة
الأنصار بخدمات إجتماعية وأمنية جعلتها قوة مجتمعية إيجابية بنظر
الليبيين. مع تردي الوضع الأمني في ليبيا خلال الفترة الماضية، لاحظ
مراقبون أن جماعة انصار الشريعة بنسختها الليبية استغلت الفراغ الأمني
وغياب الدولة لمد جسور مع مناطق مختلفة، وتعزيز قدرتها على العمل خارج
بنغازي. ورغم احتجاج جمهرة واسعة من اهالي بنغازي ضد الجماعة بعد الهجوم
على القنصلية الاميركية في العام الماضي، وما اعقب ذلك من تكهنات عن
افلاسها شعبيًا وتهميشها سياسيًا، فإن جماعة انصار الشريعة تنتعش وتتوسع في
الواقع. وبخلاف انصار الشريعة في تونس، التي بدأت حركة تونسية منذ
البداية، فإن جماعة انصار الشريعة في ليبيا تعود في منشئها إلى مدينة
بنغازي، وكانت المدينة حصرًا دائرة نشاطها. ويقود الجماعة، التي اعلنت عن
نفسها لأول مرة في شباط (فبراير) 2012، محمد الزهاوي الذي كان من نزلاء سجن
ابو سليم سيء الصيت أثناء حكم العقيد الليبي المقتول معمر القذافي. لكن
الجماعة تمكنت من توسيع نطاق عملها خارج بنغازي، عن طريق نشاطها الدعوي
والتنسيق مع قادة واصحاب مصالح محليين، وتنفيذ برامج اجتماعية تخدم سكان
هذه الدوائر المحلية. وبدأت إعادة تسويق نفسها تحت يافطة جديدة عقب الهجوم
على القنصلية الاميركية. وبعد أن كانت تُعرف باسم كتيبة انصار الشريعة في
بنغازي، أصبحت انصار الشريعة في ليبيا، في محاولة للايحاء بأنها حركة وطنية
رغم أن نشاطها كان يقتصر وقت تغيير اسمها على مدينة بنغازي. كما بدأت
الجماعة عملية إعادة تأهيل بالتركيز على النشاط الدعوي لحشد التأييد وتغيير
فكرة السكان عنها.
الدعوة والأنشطة الاجتماعية
الدعوة والأنشطة الاجتماعية
كان استخدام العمل الدعوي تطورًا لافتًا في المنظمات
الجهادية خلال السنوات الماضية. وبعد خروقات تنظيم القاعدة في العراق، بدأ
منظرون جهاديون مثل الشيخ ابو محمد المقدسي، ثم مفكرون آخرون في القاعدة،
يدعون إلى تنفيذ برنامج أشمل للاستيلاء على السلطة، ثم تطبيق مفهومهم الخاص
للشريعة. وبالتركيز على النشاط الدعوي، تتمكن هذه الجماعات من تعزيز
مكاسبها عوضًا عن الانشغال باستهداف اعداء من كل صنف ولون، قد يحقق ضربهم
مكاسب آنية ولكن دون تقدم على المدى البعيد. ورغم أن التقارير الاعلامية
اشارت إلى رحيل انصار الشريعة من بنغازي بعد الهجوم على القنصلية
الاميركية، فإن الجماعة لم تنسحب إلا من قاعدتها داخل المدينة، وليس من
المدينة نفسها، وانتشر عناصرها بين السكان متحينين اللحظة المناسبة. وبعد
10 ايام فقط على هجوم 11 ايلول (سبتمبر)، قال اطباء وممرضون في مستشفى
الجلاء، الذي كانت جماعة انصار الشريعة الليبية تحرسه، انهم يفتقدون إلى
خدماتها. ومنذ منتصف تشرين الأول (اكتوبر) 2012، تمكنت جماعة انصار الشريعة
من التمدد وتكثيف عملها في مجال الخدمات الاجتماعية تحت شعار حملتها
الدعوية. وتشمل هذه الأنشطة المحاضرات الدينية للشباب وتصليح الطرق
وتنظيفها وتسيير دوريات ليلية على اطراف بنغازي ومصادرة المخدرات والكحول
وتوفير أضحية للمعوزين بمناسبة العيد وارسال مساعدات إلى سوريا وغزة وتنظيم
مسابقات قرآنية للأطفال وصيانة بيوت الفقراء وتنظيف المدارس وجمع النفايات
وتصليح الجسور وفتح عيادة طبية للنساء والأطفال ومركز اسلامي للمرأة وغرفة
طوارئ ومدرسة دينية باسم مركز الامام البخاري لعلوم الشريعة.
قوة إيجابية
ونتيجة لهذه النشاطات والخدمات، تمكنت جماعة انصار
الشريعة من فرض نفسها في المجتمع. على سبيل المثال، طلبت ادارة المدرسة
التركية في ليبيا من الجماعة مساعدتها في تأمين مبنى المدرسة وتنظيفه.
ونقلت مجلة فورين بولسي عن ادارة المدرسة قولها إنها طلبت من مديرية الأمن
الوطني والمجلس البلدي والسلطات المختصة توفير الأمن، ولكن هذه الأجهزة
كلها لم تستجب. وتردد أن شبانا سيطروا على المدرسة واستخدموا مبناها للنوم
والأكل والشرب وتعاطي المخدرات والكحول وتربية الحيوانات. وأنجح مشروع
نفذته الجماعة هو شن حملة لمكافحة المخدرات بالتعاون مع عيادة اعادة تأهيل
المدمنين في مستشفى الأمراض النفسية في بنغازي والنادي الأهلي الكروي وشركة
الاتصالات الليبية. ويشير هذا إلى استعادة جماعة انصار الشريعة مواقعها
وإلى نظرة قطاعات شعبية للجماعة بوصفها قوة ايجابية في المجتمع. كما أن
المقارنة بين المؤتمرين السنويين اللذين عقدتهما جماعة انصار الشريعة تبين
سعة ما حققته من نمو، إذ حضر المؤتمر الأول في حزيران (يونيو) 2012 بضع
مئات، في حين شهد المؤتمر الثاني الذي عُقد في حزيران (يونيو) هذا العام
مشاركة نحو 2000 رغم أن الجماعة نفسها قالت أن 12 الفا حضروا. ومن دلائل
النمو والتوسع الأخرى فتح فرع ثان في مدينة سرت، وفرع ثالث في اجدبية. كما
كانت الجماعة تساعد العائلات الفقيرة في بنغازي خلال شهر رمضان بتقديم
وجبات الافطار. وشاركت في تمويل هذه الحملة جهات متعددة تمكنت الجماعة من
كسب تأييدها، مثل تجمع اهالي القوارشة الخيري والدعوي ومركز الفاروق ومؤسسة
الايمان.
اندماج مجتمعي
كل هذا يشير إلى توسع نفوذ انصار الشريعة، خلافًا
لتقديرات بعض المحللين الذي ذهبوا إلى أن الجماعة أفلست وأُدينت وانتهت،
خلال التظاهرات التي خرجت في اعقاب الهجوم على القنصلية الاميركية. لكن يجب
ألا يُبالغ في نفوذ انصار الشريعة أو تُضخم قوتها. فهي حركة لا تنتمي إلى
التيار الرئيسي للمنظمات السياسية في ليبيا ولكنها، على غرار نسختها
التونسية، تستطيع أن تنهض بمهمات لا تتناسب مع حجمها، من خلال فعاليات عامة
تروج لها عبر صفحتها على موقع فايسبوك. لكن بخلاف انصار الشريعة في تونس،
التي انفردت بتنظيم الحملات والفعاليات، فإن النسخة الليبية تمكنت من
الاندماج بالبيئة المحلية متجاوزة عضويتها وحدود كادرها الحركي. ومن اسباب
ذلك فشل الحكومة المركزية في توفير الأمن والخدمات الأساسية، بحسب مجلة
فورين بولسي، متوقعة أن تستمر جماعة انصار الشريعة في التوسع من خلال تقديم
الخدمات الاجتماعية والتعاون مع السكان المحليين لتصبح لاعبًا لا يمكن
تجاهله.
المصدر: إيلاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق