وصل ثلاثون رجلا بعضهم يحمل السلاح إلى بوابات مجمع شركة الهاني للمقاولات العامة على مشارف العاصمة الليبية واقتحموا المكان. وشق
الموظفون السابقون طريقهم إلى مكاتب الشركة مباشرة مطالبين بأجور ومبالغ
اخرى قالوا إنها مستحقات متأخرة منذ عام 2011 حين دارت معارك للاطاحة بمعمر
القذافي دفعت عددا كبيرا من الشركات لوقف أنشطتها. وهدد المسلحون اثنين من كبار الموظفين بمسدس واختطفوا أحدهما ولم يطلقوا سراحه الا بعد عدة ساعات. وقال مسؤول كبير في الشركة “كانوا مسلحين وبحوزتهم أصفاد وهتفوا ‘جئنا من أجل المال’". والهجوم
على شركة الهاني وهي مشروع مشترك مع شركة المقاولات النمساوية ستراباج
وشركة الاستثمار والتنمية الليبية بمثابة تذكرة بالمخاطر التي تواجه
المستثمرين الاجانب هنا حيث تعوق جماعات مسلحة وغياب الامن فرض سيطرة
الحكومة على البلاد. وخلال العام المنصرم اجلت عدة شركات
اجنبية من بينها شركات منتجة للنفط عامليها بعدما شهدت ليبيا الجديدة هجمات
استهدفت دبلوماسيين فضلا عن محاصرة مبليشيات مباني حكومية ونشوب معارك
ضارية بالأسلحة النارية في الشوارع. ونتيجة لذلك تخشى
الشركات الغربية ضخ أموال في ليبيا ما يحرمها من رأسمال وخبرة تحتاجها
البلاد لتنويع مواردها الاقتصادية التي يهيمن عليها النفط. كما
ساهمت الخلافات العمالية والقيود على الملكية الاجنبية والبيروقراطية
المعوقة في فتور الحماسة لتنفيذ أعمال رغم امتلاك ليبيا المال اللازم
لتوفير احتياجاتها الهائلة في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم. وبعد عامين من الاطاحة بالقذافي لا يزال المستثمرون عاجزين عن القطع بما إذا كانت ليبيا تسير على طريق تحرير الاقتصاد. وقال
طارق علوان المدير في شركة الاستشارات اس.او.سي ليبيا للاستشارات ومقرها
لندن “يستغرق وقتا أطول من توقعاتنا.الاعمال ستستغرق سنوات. “التشييد والتعليم والصحة.. قطاعات يصعب اقناع الشركات بالعمل فيها في ليبيا. لا يزال ثمة اهتمام لكن دون التزام بعد". وعزل
القذافي الاقتصاد عن المنافسة الاجنبية واحتفظ بالتراخيص والعقود للمحيطين
به ما يجعل بعض القطاعات مغرية بعد رحيله الا ان الكثير من القيود التي
فرضتها حكومته لا تزال باقية. وقال الكس وارن من مجموعة
فرونتير التي تدير موقع ليبيا ريبورت الالكتروني “تأشيرات العمل لا زالت
باهظة التكلفة وفضلا عن بيروقراطية مستعصية تهدر الوقت والنظام المصرفي يظل
ضعيفا مع صعوبة التنبؤ بالاطار القانوني للعمل". وتشمل المشاكل الاخرى غياب الامن والاضطرابات العمالية وعدم اليقين السياسي. ولم
تستكمل اعمال مد الطرق ولم يتم تطوير المستشفيات في حين تقف رافعات بلا
عمل منذ ما يزيد عن عامين في حين يطالب حكام ليبيا الجدد الشركات الاجنبية
بالعودة وإعادة بناء البلاد. وأغلبية العقود الممنوحة في
ليبيا تخص القطاع العام وطرحت بعض العطاءات الخاصة بخدمات ضرورية عاجلة
بينما لا تزال العديد من المشروعات الضخمة متعثرة. وفي
بعض الحالات تقول السلطات انها تراجع العقود الضخمة. وحتى الآن لا تزال
الحكومة ملتزمة بالعقود من حقبة القذافي إلى الآن ولكن هذا لا يضمن ان
تقتدي بها الحكومة القادمة التي ستنتخب بعد صياغة دستور جديد وإقراره. ويسير
التقدم نحو استئناف الاعمال المتوقفة بخطى بطيئة وتتعهد الحكومة بصرف
تعويضات في حالة استئناف الشركات العمل لكن البعض يطالب بصرف الأموال أولا
قبل استئناف العمل. وقال وزير الاقتصاد مصطفي أبو فناس ان
الحكومة ستسدد 50 بالمئة من قيمة قواتيرها القديمة فور البدء في العمل على
ان يقسم الباقي على اقساط تسدد لاحقا. ويثقل كاهل
ميزانية ليبيا للعام الجاري البالغة 67 مليار دينار (51 مليار دولار) الدعم
والأجور وتشمل مرتبات يحصل عليها الاف من المقاتلين السابقين ضد القذافي.
وطلب علي زيدان رئيس وزراء ليبيا ميزانية إضافية تصل إلى 11 مليار دولار.
يأتي معظم دخل ليبيا من صادرات النفط وتدر نحو أربعة مليارات شهريا. غير ان الاضرابات قلصت الانتاج وقد يكون لطول أمد الخفض نتائج كارثية على أحوال البلاد المالية. وفي
مؤشر على ان الاضطرابات وقلة الحوافز المالية ترهقان الشركات الاجنبية
تدرس شركة ماراثون أويل الأمريكية بيع حصتها في كونسورتيوم نفطي. وفي حين تترقب شركات القطاع العام التطورات تشهد شركات القطاع الخاص ازدهارا رغم انها لا زالت صغيرة الحجم. وتملأ سلع من إيطاليا والنمسا وفرنسا وتركيا المتاجر وتزدحم المتاجر والمقاهي بالرواد. ويحصل
الليبيون على اعانات سخية من الحكومة تسهم في تأجيج الإنفاق الاستهلاكي
ويتسوق المواطنون من فروع متاجر بريطانية من بينها ماركس اند سبنسر ونكست
في طرابلس. ويقول حسني بي وتتعامل مجموعته التي تحمل نفس الاسم في الواردات “تزدهر أنشطة القطاع الخاص رغم انه لا يزال من الصعب التنبؤ بالوضع. “ليس لدينا مؤشرات موضع ثقة أو دلالات ولكن استطيع ان اقول اننا حققنا نموا 20 بالمئة على الأقل (2012 مقابل 2010) تقريبا". وقال
بي إن القطاع العقاري هو محرك النمو إذ يجري بناء منازل جديدة وتجديد
المتاجر على نطاق واسع واستيراد سلع استهلاكية وسيارات واجهزة منزلية. وقال أحمد بن حليم من مجموعة ليبيا القابضة إن حجم القطاع الخاص صغير جدا وإنه ينبغي الاعتماد عليه لبناء الاقتصاد. وأضاف
أن مجموعته تلقى اهتماما من مستثمرين عرب واوروبيين وامريكيين يدرسون
الاستثمار في قطاعات مثل النفط والغاز ومواد البناء والخدمات المالية
وإدارة البنية التحتية لكن الدراسات لا زالت في المراحل الأولية. وتوقع
وزير الأقتصاد أن ينمو اقتصاد ليبيا ثلاثة بالمئة العام الجاري وهو رقم
أكثر محافظة من توقعات صندوق النقد الدولي الذي قال العام الماضي ان اقتصاد
ليبيا يتجه لتحقيق نمو 17 في المئة في 2013 كما تنبأ بنمو سبعة بالمئة في
المتوسط بين عام 2014 و2017. وتتابع الشركات الاجنبية كيف تتبلور الأوضاع في ليبيا التي لا تزال في المرحلة الانتقالية. وتقصر
مسودة قانون الشركات الملكية الاجنبية على حصة 49 في المئة وكانت 65
بالمئة في عهد القذافي وقد تكون الحصة الجديدة منفرة للبعض. وقال علوان إن بعض المستثمرين يرجئون مشروعاتهم الا ان اخرين من تركيا والشرق الاوسط وآسيا يقبلون على العمل في ليبيا. وقال
مدير شركة تشييد أوروبية كبرى “توجد عقبات كثيرة تشمل انقطاع الكهرباء
والاضرابات والاضطرابات وصعوبة اقناع العمال الاجانب بالعودة. لكني لازالت
متفائلا.. فالأمر يتوقف على كيفية إدارة كل هذه الامور".
المصدر: ماري لويز جوموتشيان ـ رويترز ـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق