الثلاثاء، 2 يوليو 2013

#مصر: الإنذار الكبير

حازم صاغية- صحيفة الحياة- جاءت انتفاضة مصر الثانية تردّ على الذين قالوا إنّ ثورات «الربيع العربيّ» أتت بالإسلاميّين وثبّتتهم في مواقع السلطة، وكان الله يحبّ المحسنين. وبالطبع عجّت مثل هذه الأحكام بما لا يُحصى من أشكال الوعي التآمريّ، فضلاً عن المبالغات المحسوبة والمدروسة.
فما يحصل في مصر يدلّ، في المقابل، إلى أنّ تلك الثورات فتحت الباب مشرعاً للحرّيّة التي جاءت بالإسلاميّين ثمّ مهّدت، هي نفسها، للانقضاض عليهم.
هكذا، وبعد أطنان الكلام المكتوب عن «الإسلام والديموقراطيّة» ممّا لم يكن قابلاً للاختبار والقياس، يوفّر الظرف السياسيّ المحتدم تعريض هذه المعادلة، للمرّة الأولى، إلى اختبار فعليّ. والحال أنّ تجربة العام الذي قضاه محمّد مرسي في سدّة الرئاسة المصريّة جاء شهادة سلبيّة ومكثّفة في سلبيّتها على الفشل. فكيف وأنّ الإسلام السياسيّ الحاكم في تركيّا، وإن على سويّة أرقى كثيراً من السويّة المصريّة، يواجه أزمة كبرى في ممارسته السلطة، بينما الإسلام السياسيّ الحاكم في إيران، وعلى سويّة أشدّ انخفاضاً من السويّتين التركيّة والمصريّة، يستنجد بحسن روحاني الذي ربّما كان آخر أوراق التوت.
هذا بذاته، ومن حيث المبدأ، تحوّل كبير سنعاينه على مدى حقبة مقبلة يُرجّح أن تطول.
لكنْ بالعودة إلى مصر، تتقاطع المطالبة المبرّرة بتنحّي مرسي (أو تقصير ولايته) تمهيداً لانتخابات رئاسيّة جديدة مع معضلة كبرى تعاون على خلقها التاريخ السياسيّ والثقافيّ للبلد وحاكميّة الإخوان المسلمين بعد ثورة يناير.
والمعضلة هذه التي تكاد تقسم الشعب شعبين، قد تنتهي إلى مآزق لا تستطيع الثقافة السياسيّة بانقساماتها المعهودة ووسائط تحكيمها أن تتغلّب عليها لأنّها، ببساطة، تفيض عن الثقافة السياسيّة بانقساماتها المعهودة.
وضع كهذا يحمل على افتراض الاحتمالات الراديكاليّة والقصوى، من نوع نشوب حرب أهليّة لم يعد توقّع نشوبها هلوسة محلّلين ذوي خيال سخيّ، أو من نوع انقلاب عسكريّ يقطع الطريق على الاستقطابات الحادّة والمتعادلة، ويكون واسع التأييد بعد التعب والإنهاك الشعبيّين اللذين تسبّبت بهما المواجهات المتّصلة منذ يناير 2011 وما رافق ذلك من تردٍّ في الأمن والاقتصاد.
والحقّ أنّ احتمالات كهذه، في حال حصولها، ستكون إنذاراً، بل نذيراً، لا لمصر وحدها، بل لعموم المنطقة التي كثيراً ما تؤشّر مصر إلى وجهتها. ذاك أنّنا إذا عطفنا مثل هذه الاحتمالات على خليط الثورة والأزمة والحرب الأهليّة في سوريّة، وتخبّط الوضع الليبيّ، وتراكم أسباب الانفجار في تونس، أمكن الخروج بخلاصة بالغة التشاؤم والسوداويّة عن آفاق الديموقراطيّة في المنطقة العربيّة.
فإذا صحّ أنّ الحرّيّة تفتح الأبواب للتقدّم، بما فيه التقدّم نحو الديموقراطيّة، صحّ أيضاً أنّ الحرّيّة ليست سحراً يستطيع التغلّب على معضلات عصيّة ترعرعت في حضن تاريخ وثقافة بعينهما.
فهل تنجح مصر، بشبّانها وشابّاتها في ميدان التحرير وسائر الميادين، في إنقاذ الثورات وتسهيل العبور من الحرّيّة إلى الديموقراطيّة، أم أنّها ستفشل أمام هذا التحدّي فتترك الحرّيّة كي تتفسّخ إلى فوضى، أو كي تُخنق على يد انقلاب عسكريّ؟
وهذا ربّما كان سؤالاً يشبه المعضلة الكبرى لواقعنا، من حيث أنّه يتجاوز السياسيّ إلى الثقافيّ والمجتمعيّ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق