راديو سوا- محمد بوزانة- دخل قانون العزل السياسي في ليبيا رسميا حيز التنفيذ في 5 يونيو/حزيران بعد المصادقة عليه الشهر الماضي من قبل المؤتمر الوطني العام الليبي، والذي يقصي من الحياة السياسية أي شخص تسلم مناصب مسؤولية خلال حكم العقيد معمر القذافي.
وكانت استقالة محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام، أعلى سلطة سياسية في ليبيا، بداية لتطبيق هذا القانون، في الوقت الذي من المنتظر أن يشمل شخصيات أخرى شغلت مناصب سياسية عليا في عهد القذافي.
وقد أثار هذا القانون ردود فعل متباينة بين مؤيد ومعارض، خصوصا فيما يتعلق بتأثيراته على مستقبل الحياة السياسية في ليبيا، في ظل عزل العديد من الكفاءات التي تقلدت مناصب في عهد معمر القذافي.
كما يطرح تطبيق هذا القانون العديد من الأسئلة حول مدى قدرة الدولة الليبية الجديدة على التحكم في الوضع المتدهور أصلا، بسبب التجاذبات السياسية وانتشار الميليشيات التي تتصارع هي الأخرى لفرض قوانينها.
ويعتقد الإعلامي الليبي أحمد خليفة أن قانون العزل السياسي "من ضرورات المرحلة الانتقالية التي تمر بجزء من الفوضى والاضطراب"، مشيرا إلى أن جزءا من هذه الفوضى سببه أركان النظام السابق وأعوانه الذين "مكنوه من رقاب الليبيين لعشرات السنين".
ليبيا الجديدة يجب أن تبنى بوجوه جديدة ولا رغبة للناس في أن يروا الوجوه التي اعتادوا رؤيتها مع النظام السابق تخطط وترسم مستقبل البلاد.
وقال خليفة في مقابلة مع "راديو سوا" إن أركان النظام السابق "لا بد أن يخرجوا من المشهد السياسي. هناك اتفاق بأن ليبيا الجديدة يجب أن تبنى بوجوه جديدة ولا رغبة للناس في أن يروا الوجوه التي اعتادوا رؤيتها مع النظام السابق تخطط وترسم مستقبل البلاد، حتى لو كان منهم بعض الساسة البارعين الذين لعبوا دورا مهما في ثورة 17 فبراير/شباط".
أما أسماء سريبة، عضو المؤتمر الوطني العام عن تحالف القوى الوطنية، فترى أن القانون "إقصائي بشكل كبير وسيؤثر بشكل أو بآخر على المؤسسات الحيوية في البلاد، ليس فقط بسبب تغييب الخبرات فقط، وإنما عملية الاستهداف التي شملت فئات كثيرة بشكل مجحف سيشكل فراغا".
ويقف ناصر الهواري، مدير المرصد الليبي لحقوق الإنسان بدوره ضد هذا القانون الذي يعتبره "إقصائيا يحرم المتهم به من أبسط حقوقه مثل حق الدفاع ورد الاتهامات الموجهة ضده".
وأضاف في مقابلة مع "راديو سوا" أن هذا القانون "لن يخدم المصالحة الوطنية والوفاق الوطني في ليبيا لأن المقصود منه تهميش أشخاص معينين، وتأثيراته على مستقبل ليبيا ستكون خطيرة".
وتابع قائلا " هناك كتل معينة لها مصلحة في هذا القانون قامت بفرضه بقوة السلاح على المؤتمر الوطني"، مشيرا إلى أن العديد من القوى السياسية عبرت عن رفضها له وطالبت بإعادة النظر فيه أو إلغائه نهائيا، مثل تحالف القوى الوطنية والمنظمة الليبية للقضاة.
تجسيد العزل
ويواجه المسؤولون الجدد في ليبيا تحديات سياسية وأمنية واجتماعية، إضافة إلى حالة الانقسام التي تعرفها البلاد في ظل إعلان عدد من المناطق نفسها فدراليات مستقلة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول قدرة الحكومة الليبية الحالية على تطبيق قانون العزل دون أن يكون لذلك تأثيرات على مستقبل البلاد.
وبرأي ناصر الهواري فإن الدولة الليبية في هذه المرحلة "غير قادرة على تطبيق قانون العزل في ظل إعلان الأقاليم بسبب التهميش لأنها تشعر أن الثورة قد سرقت وأن هناك إهدارا لأموال ليبيا".
وحسب المتحدث فإن المسؤولين الليبيين في الفترة الحالية أهملوا مناقشة قوانين أخرى أكثر أهمية للمستقبل الليبي، منها الدستور وقانون الانتخابات العامة، وقانون العدالة الانتقالية.
وقال إن "المؤتمر الوطني تباطأ كثيرا في إنجاز العديد من المهام، وبدل ذلك يصدر بعض القوانين التي تخدم أجندات معينة قد تخدم الإسلام المتشدد".
ومن جانبها، تعتقد أسماء سريبة أن القانون قد يتأخر تطبيقه في ظل الحملة الواسعة التي تقودها عدد من الفعاليات السياسية والحقوقية. وقالت إن القانون كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في نهاية شهر يونيو/حزيران، غير "أننا لم نر مباشرة فعلية لتطبيقه".
الذين سيقصون من وظائفهم لن يقوموا بردة فعل إلا في حال إذا كانوا يعتقدون أنهم نظيفين وليس عليه شبهة، أما الناس الذين عليهم شبهات فإنهم سيلزمون الصمت أو يستقيلوا طواعية.
وأضافت أن "الذين سيقصون من وظائفهم لن يقوموا بردة فعل إلا في حال إذا كانوا يعتقدون أنهم نظيفين وليس عليهمشبهة، أما الناس الذين عليهم شبهات فإنهم سيلزمون الصمت أو يستقيلوا طواعية".
كما أشارت إلى أن الحراك القضائي في ليبيا بدأ منذ فترة للتنديد بالقانون، من خلال الاعتصامات التي بدأ بتنفيذها قضاة ومحامين.
ولا يتفق أحمد خليفة مع هذا الرأي، ويقول إن "الحكومة بالتأكيد قادرة لأن هناك لجنة قضائية بها أناس متخصصون، عدد منهم كانوا في هيئة النزاهة والوطنية، وبالتالي فإن تطبيق هذا القانون سيخضع لمعايير وضوابط معينة لن تستثني أحد".
ويرى المتحدث أن هناك دعما شعبيا قويا للدولة الليبية الحديثة والناس "مجمعون على أن العزل السياسي لا بد أن يطبق، لأن الناس جربوا من كانوا مع النظام السابق ويريدون استبدالهم وخروجهم من المشهد السياسي. هذا القانون سيتم تطبيقه بشكل صحيح".
تعويض الكفاءات
ويرى مراقبون أن تطبيق قانون العزل السياسي سيسهم في إفراغ الدولة الليبية من الكفاءات، الأمر الذي سيجعل الحكومة الحالية في مواجهة مشكلة حقيقية تتعلق بإيجاد بدائل للكفاءات التي سيتم إقصاؤها.
والتقدير ذاته قد ينطبق على الحياة السياسية، خصوصا أن القانون الجديد قد يشمل نسبة كبيرة من الليبيين الذين تقلدوا مسؤوليات سامية وأخرى محلية، من خلال اللجان الشعبية التي كانت أساس النظام الليبي في عهد القذافي، الأمر الذي قد يؤدي إلى إفراغ الحياة السياسية.
وفي هذا الصدد، تقول أسماء سريبة إن "أغلب القيادات الأمنية والعسكرية والسياسية المتورطة في الدماء ونهب الأموال والفساد الإداري والمالي، إما هي خارج ليبيا أو قابعة في السجون".
وأضافت أن هناك "فسادا كثيرا حدث بعد الثورة، وهناك نهب أموال كثيرة تحت مسمى الغنيمة، وإذا كنا نريد الإنصاف والعدل علينا أن نطبقه على الجميع ما بعد فبراير وما قبل فبراير".
انتشار السلاح والميليشيات يؤرقان الحكومة الليبية
ومن جانبه، يرى ناصر الهواري أن هناك نية لإخلاء الساحة لصالح أشخاص بعينهم وتيارات معينة، بعد أن حذف من القانون كل من تصالح من النظام ويقصد بهم الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية المقاتلة، الذين يتزعمون حسبه تنسيقية العزل السياسي وهم من سيتم تفريغ المشهد لصالحهم.
أما أحمد خليفة فيرى أن الكفاءات الموجودة في ليبيا تستطيع بناء الدولة لأن نظام القذافي حارب، حسبه طيلة 42 عاما "هذه الكفاءات من خلال تشريدهم أو تعذيبهم وقتلهم في السجون مثلما حدث في مذبحة أبو سليم التي قتل فيها 1276 سجينا كان من بينهم خيرة رجال ليبيا".
وأوضح أن قانون العزل السياسي لن يحرم ليبيا من الكفاءات لأن هذه الكفاءات هي التي كانت موجودة زمن القذافي وأوصلت ليبيا إلى "تردي كبير وتخلف على كل المستويات في الصحة والتعليم والقضاء والاقتصاد. لم تخلق إلا مجتمع متخلف ومتقهقر".
المستقبل السياسي
ويختلف المراقبون في تقدير مستقبل الوضع السياسي في ليبيا جراء إقرار قانون العزل السياسي، في ظل الاعتقاد أن إقصاء السياسيين الذين تربطهم علاقة بنظام القذافي سيفتح المجال أمام تيارات جديدة.
المشهد السياسي قد يسيطر عليه سياسيون غير أكفاء أو حتى العسكر أو تيار جماعة الإخوان المسلمين الذين سعوا إلى تطبيق هذا القانون الذي يناسبهم، كما يفتح المجال أمام صعود التيار المتشدد
ناصر الهواري
ويقول ناصر الهواري إن المشهد السياسي "قد يسيطر عليه سياسيون غير أكفاء أو حتى العسكر أو تيار جماعة الإخوان المسلمين الذين سعوا إلى تطبيق هذا القانون الذي يناسبهم، كما يفتح المجال أمام صعود التيار المتشدد".
وأضاف أن "القبائل أيضا قد تتحرك لأنه تم إقصاء أبنائها. وما رأيناه في بنغازي أمام مقر درع ليبيا هو من تداعيات القانون. الجميع ممن يشعرون بالتهميش والإقصاء سيتحينون الفرصة لإحداث مشاكل وقلاقل في ليبيا".
وعبر المتحدث عن خشيته من أن تنجرف البلاد إلى "تيار آخر وقد تحدث مواجهات بين الإسلاميين أنفسهم"، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة موجود في ليبيا ولو دخل إلى العملية السياسية فستكون هناك تداعيات أكبر.
أما أحمد خليفة فيرى أن تطبيق القانون الجديد لن يؤثر على المشهد السياسي في ليبيا "لأن التجربة السياسية في ليبيا ليست ناضجة. لدينا عدد من الساسة من أسسوا أحزابا جديدة ويلعبون دورا مهما في الحياة السياسية. وهذه الكفاءات تحتاج فقط دعم المجتمع الدولي والأمم المتحدة لبناء ليبيا".
وتتفق أسماء سريبة مع هذا الطرح، وتعتقد أن التجربة السياسية في ليبيا وليدة وجديدة على كل الأطراف السياسية ولا أحد يملك خبرة سياسية.
وأضافت أن ليبيا بحاجة إلى توافق وطني حقيقي وليس نزاعا سياسيا في مؤسسات الدولة، على حد تعبيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق