منذ
تحرير شمال مالي على يد القوات الفرنسية والإفريقية، يتبادر نفس السؤال
إلى أذهان بعض المراقبين وهو: أين ذهب مقاتلو القاعدة؟ سلسلة من الحوادث
القاتلة تشير إلى أن الإرهابيين والمقاتلين الإسلاميين المطرودين من شمال
مالي، وجدوا ملاذا جديدا بالصحراء الجنوبية الليبية ومنطقة جبل الشعانبي
الجزائر وتونس. فبعد طرد مقاتلي القاعدة من مالي، فقد
أقدم التنظيم على "الضرب في الخاصرة الرخوة لدول التحالف وهي النيجر وذلك
انطلاقا من النقطة الأكثر هشاشة أمنيا في دول المغرب الكبير وهي الجنوب
الليبي" حسب المحلل في قضايا الإرهاب عبد الحميد الأنصاري.
وقال "وهذا ينذر بالمزيد من الاضطراب وزعزعة الأمن في شمال إفريقيا ومنطقة
الساحل في الأيام المقبلة". وأوردت يومية النهار الجزائرية الشهر الماضي
أن عناصر القاعدة، بعد إرغامها على الفرار من شمال مالي، انتقلت إلى
الصحراء الليبية لإعادة بناء وترتيب صفوفها. الثورة التي أطاحت بنظام معمر
القذافي سمحت لكتائب وحلفاء القاعدة يإيجاد ملاذ آمن في بلد تعصف به
الاضطرابات. وبعد ذلك، ضربوا من جديد.
ففي 23 مايو، نفذ الأمير السابق للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مختار
بلمختار (المكنى لعور ) وكتيبته "الموقعون بالدم" تفجيرين انتحاريين
بالسيارات المخففة راح ضحيتهما 20 شخصا على الأقل في النيجر.
الهجومان على قاعدة عسكرية في أغاديز ومنجم لليورانيوم تستغله
فرنسا في أرليت جاءا انتقاما على مقتل الإرهابي عبد الحميد أبو زيد على يد
الجيش الفرنسي في مالي. وبعد أقل من أسبوع من هجمات النيجر ، أضاف الرئيس محمد إيسوفو تفاصيل جديدة لإعلان بلمختار. فالأمر لا يتعلق بالقاعدة فقط بل القاعدة من ليبيا حسب رئيس النيجر.
وقال إيسوفو يوم 28 مايو خلال حفل تأبين ضحايا التفجير الانتحاري في
أغاديز "أؤكد أن الهجوم على شمال بلادنا جاء من جنوب ليبيا الذي يشكل
تهديدا رئيسيا للأمن في الشريط الساحلي ـ الصحراوي". ووصف
إيسوفو جنوب ليبيا بأنه أرضية ملائمة لزعزعة الأمن في فضاء الساحل
والصحراء. وحذر أن القاعدة تخطط لهجوم آخر من معاقلها جنوب ليبيا ضد
جمهورية تشاد. وبعد يوم واحد من كشف إيسوفو عن الصلة بين
القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وليبيا،حذر وزير الخارجية الفرنسي لوران
فابيوس هو الآخر الدول الإفريقية من تنامي نفوذ المتشددين الإسلاميين في
صحراء ليبيا. ووجه دعوة من النيجر إلى بذل جهود منسقة من تونس والجزائر
وتشاد ومالي ومصر لمواجهة هذا التهديد.
المراقبون يحذرون أن المشكل في الجنوب الليبي يهدد منطقة الساحل
ككل. فمخاوف البلدان المغاربية مشروعة من احتمال انتشار الأوضاع المتقلبة
في ليبيا. حسن آغ ميدال، مدون وصحفي طوارقي من شمال
النيجر متابع للجماعات المتشددة في الساحل، قال في هذا الصدد "جنوب ليبيا
أصبح بالفعل معقلا للجماعات الإرهابية المتشددة". وقال
لمغاربية، إنه من الطبيعي أن يلجأ المتطرفون المسلحون إلى جنوب ليبيا "لأن
المكان يوفر نفس الظروف تقريبا التي كان يوفرها شمال مالي".
وقال "من حيث وجود أعداد كبيرة من اللاجئين الطوارق ووجود نفس التركيبة
الاجتماعية والعرقية لشمال مالي خاصة في مدينة أوباري وسبها إضافة إلى
السكان الذين يعانون من الفقر والتخلف". وهناك أيضا مسألة انعدام الأمن. ويضيف آغ ميدال "الجيش الليبي لا يفرض سيطرته على تلك المنطقة والحدود شاسعة جدا مع النيجر ويصعب مراقبتها بشكل مستمر".
في هذا السياق، يقول محمد عمر غرس الله اكاديمي ليبي ودبلوماسي
سابق في نواكشوط "جنوب ليبيا عبارة عن قارة مفتوحة ومكان يوجد فيه كل شيء".
ومضى يقول "غياب السلطة المركزية يطرح مشكلة ليس فقط في الجنوب وإنما في
البلاد كلها، كما تم نهب مخازن الأسلحة وتحطيم الجيش وإنهاء ما تبقى منه
بعد أن كان سادس جيش عربي". وإلى جانب الإرهابيين، أشار بالقول "يوجد هناك مهربو المخدرات ومهربو السلع والوقود والقبائل والجماعات المتشددة". وإذا كانت القاعدة تبحث عن مجندين جدد، فإن الجنوب الليبي يضم "البسطاء من الشباب الذين يتم شحنهم كمرتزقة في معارك لعبة الأمم".
وأضاف الدبلوماسي الليبي "المنطقة تعاني من مشكلة تنمية وليس مشكل إسلام"،
وأوضح أن "فشل الأنظمة السياسية في مشروع التنمية المحلية، وتخشب الأنظمة
السياسية وإنكارها الحاد للأوضاع المحلية سبب تفاقم هذه المشكلة".
التنظيم الإرهابي لديه خطة لقواته في الصحراء الليبية. لهذا يقول
المحلل الموريتاني محمد ولد زين "اهتمام القاعدة ينصب اليوم على تنفيذ هجوم
انتقامي ضد الدول التي ساهمت في طردها مباشرة من شمال مالي مثل النيجر
وتشاد". لكنه حذر أن "الدول التي دعمت الحرب في شمال مالي بصفة غير مباشرة ستكون هي الهدف القادم". وهذا يعني دول المغرب الكبير.
تحول الاهتمام الليبي صوب الجنوب
بعد تعليقات رئيس النيجر ووزير الخارجية الفرنسية حول توافد عناصر
القاعدة، كشفت ليبيا الأحد 2 يونيو عن إجراءات جديدة لتعزيز الأمن في
الجنوب والجنوب الغربي. وصرح رئيس الوزراء علي زيدان للصحفيين أن الحكومة اتفقت على خطة من شقين.
وقال زيدان إن الأول يتعلق "بحفظ الأمن في المدن في غات و أوباري و مرزق
والشاطئ وسبها والكفرة، والجزء الثاني يتعلق بحراسة الحدود وحمايتها
ومراقبتها وعدم السماح باختراقها من العناصر المشبوهة".
وستخصص تعويضات مالية للجنود والثوار للعمل في المنطقة الصحراوية حسب قوله.
ونظرا لظروف العيش والطقس الصعبة في المنطقة الجنوبية، سيحصل ضباط الشرطة
والجيش كذلك على زيادات في الأجور. وأضاف زيدان "نأمل تحقيق ما وعدنا به بخصوص الجنوب وبشأن ترتيب الأمن به. وأدعو الجميع للتعاون وفي طليعتهم الثوار". وأشار إلى أن الاتحاد الأوروبي سيرسل فريقا للمساعدة في حماية الحدود. وطمأن المشرعين أن الأمر يتعلق "بفريق مدني استشاري". ولتأكيد أهمية توقيت الخطة الأمنية الجديدة، كشف زيدان عن تفاصيل عملية اعتقال كبيرة.
وقال "أجهزة الأمن في الجنوب، على الحدود المصرية، أوقفت مجموعة تحاول
تهريب 10 صواريخ ميلان و50 صاروخ جراد في منطقة قارة الماجوري. وهذه
المجموعة حاولت إدخال الصواريخ لمصر وتمت مصادرة الصواريخ وتوقيف أعضاء
المجموعة". وأضاف زيدان "ليعلم الجميع أن لضبط الحدود أهمية خاصة من قبل الحكومة ومسألة التهريب ومكافحتها جزء أساسي من الأمن".
وكان وزير الداخلية الجديد محمد الشيخ قد عرض هذا الأسبوع على
المؤتمر الوطني العام خطته الأمنية وهي استكمال لعمل سابقه بالإبقاء على
بعض الأجهزة الأمنية القائمة حتى لا يحدث فراغ أمني، وتفعيلها بعقيدة أمنية
وطنية بعيدة عن الجهوية. كما تقضي الخطة الأمنية بإعادة بناء الثقة المفقودة في العلاقة بين الشعب ومؤسسته الأمنية.
يواجه الإستراتيجيون الحكوميون معركة صعبة. علي المرابط من مدينة سبها قال لمغاربية "المشكلة أن الجنوب انقسم لثلاثة أجزاء".
وقال "الأول مازال ينتظر قدوم القذافي ولاتهمه البلد، والتاني مؤيد للثورة
وقالوا له الخير قادم قفل عليه بيته وهو الان ينتظر هذا الخير والطرف
الثالث اغتنم الفرصة في السابق والآن لأن طبيعته هي السرقة".
المصدر: مغاربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق