في
تأكيد جديد على أن حرب مالي لم تخرج عن مؤامرة "غربية - صهيونية" لإجهاض
"الربيع العربي"، دعت فرنسا صراحة إلى التدخل العسكري في صحراء جنوب ليبيا
للتصدي لما سمته "الجماعات الإرهابية"، وذلك بعد التفجيرين اللذين استهدفا
ثكنة عسكرية ومنجما لليورانيوم تستغله شركة فرنسية في شمال النيجر في 23
مايو. ونقلت وكالة الأنباء الأوروبية عن وزير الخارجية الفرنسي لوران
فابيوس قوله خلال زيارة للنيجر في 28 مايو إن هناك علامات على أن جنوب
ليبيا بدأ يتحول إلى ملاذ آمن لمن سماها الجماعات الإسلامية المتشددة في
منطقة الصحراء الكبرى، داعيا إلى القيام "بعملية عسكرية" منسقة مع ليبيا
والدول المجاورة لها للتصدي لهذا الخطر. وأضاف فابيوس بعد اجتماع مع رئيس
النيجر محمد إيسوفو "يتعين علينا فيما يبدو أن نبذل جهدا خاصا بشأن جنوب
ليبيا، تحدثنا بشأن المبادرات التي يمكن للدول المجاورة القيام بها
بالتنسيق مع ليبيا".
وتابع "الجهود اللازمة للتصدي للمشكلة في جنوب ليبيا ستحتاج إلى
دعم تونس والجزائر وتشاد ومالي ومصر، نظرا لأن جزءا كبيرا من ليبيا مثلما
يقال دائما يمكن أن يشكل ملاذا للجماعات الإرهابية، يتعين على كل هذه الدول
أن تعمل معا، وستساعدها فرنسا بكثير من العزم والتضامن". وتزعم النيجر أن
من سمتهم الإسلاميين المتشددين، الذين نفذوا تفجيري 23 مايو، اللذين أسفرا
عن 25 قتيلا على الأقل، عبروا الحدود من ليبيا، غير أن طرابلس نفت ذلك بشدة
، خاصة أنها أعلنت الجنوب الليبي منطقة عسكرية مغلقة منذ ديسمبر من العام
الماضي.
كما تزعم تقارير غربية أن ليبيا أصبحت مصدرا وطريقا لتهريب
الأسلحة لمقاتلي تنظيم القاعدة في منطقة الصحراء الكبرى منذ سقوط نظام معمر
القذافي في 2011. وفيما تبنت جماعة "الموقعون بالدم" المرتبطة بتنظيم
القاعدة في المغرب الإسلامي وجماعة "التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا"، وهي
إحدى أكبر الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال مالي، تفجيري النيجر، إلا أن
التقارير الغربية تزعم أن "الجهادي" الجزائري مختار بلمختار، الذي يرأس
"الموقعون بالدم" حصل على أسلحة من جنوب ليبيا، واستخدم المنطقة كطريق
للمرور أيضا قبل عملية احتجاز رهائن في موقع عين أمناس النفطي في جنوب شرقي
الجزائر في 16 يناير الماضي. وكان الناطق الرسمي باسم جماعة "الموقعون
بالدم" الحسن ولد اخليل المعروف بـ"جليبيب" قال في اتصال مع وكالة الأخبار
الموريتانية إن مختار بلمختار المعروف بخالد أبو العباس أشرف على التخطيط
لعملية التفجيرين الانتحاريين، اللذين نفذا بسيارتين مفخختين في النيجر في
23 مايو، واستهدفا قاعدة عسكرية في أغاديز كبرى مدن شمال النيجر، وموقعا
لاستخراج اليورانيوم تابعا لشركة أريفا الفرنسية".
ومن جانبهم، قال مسئولون بالنيجر إن التفجيرين ألحقا أضرارا ببعض
الوحدات في منجم اليورانيوم، وهو حلقة مهمة في سلسلة إمداد فرنسا بالكهرباء
حيث تورد النيجر نحو خمس اليورانيوم، الذي تحتاجه المحطات النووية
الفرنسية. ورغم مزاعم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند حول أن تدخل بلاده ضد
الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال مالي منذ 11 يناير الماضي يأتي في إطار
"الدفاع عن المبادئ"، ومنع من سماهم "الإرهابيين" من الاستيلاء على مالي
بالكامل، إلا أن كثيرين يرون أن التدخل العسكري الفرنسي في مالي ليس فقط
لمواجهة تنظيم القاعدة، وإنما هو جزء من مخطط غربي جديد لوقف "المد
الإسلامي" في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية الغنية بالنفط واليورانيوم،
بالإضافة إلى محاصرة دول "الربيع العربي" في شمال إفريقيا، خاصة ليبيا
الغنية بالنفط، بجانب محاولة احتواء الجزائر ونهب ثرواتها وابتزازها
للموافقة على إقامة قواعد عسكرية غربية على أراضيها بزعم التصدي للعدو
المشترك "القاعدة".
ويبدو أن التفجيرات الغامضة المتواصلة في بنغازي تعطي ذريعة أخرى
للغرب لاستهداف ليبيا، حيث قتل جندي ليبي وأصيب ثلاثة آخرون بجروح خطيرة في
هجوم بالرصاص استهدف مساء الثلاثاء الموافق 28 مايو دورية للجيش الليبي في
بنغازي شرقي البلاد. وقال مسئول أمني ليبي فضل عدم الكشف عن هويته لوكالة
الصحافة الفرنسية :"إن رجالا على متن سيارة أطلقوا النار على دورية من
كتيبة الخندق، فقتلوا جنديا وجرحوا ثلاثة آخرين"، وأضاف أن الجرحى الثلاثة
في حالة الخطر، مشيرا إلى أن المهاجمين لاذوا بالفرار. وكانت بنغازي مسرحا
لعدة هجمات وتفجيرات ضد قوات الأمن الليبية والبعثات الدبلوماسية الغربية
على مدى الشهور الماضية، أبرزها الهجوم، الذي استهدف القنصلية الأمريكية في
11 سبتمبر من العام الماضي وقتل فيه السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز
وثلاثة أمريكيين آخرين، فيما اتهمت واشنطن "إسلاميين متشددين" بتنفيذ هذا
الهجوم. ولعل ما يضاعف من حجم الخطر المحدق بليبيا هو ما بدا أنه حالة فراغ
سياسي ناجمة عن تطبيق قانون العزل السياسي، حيث أعلن رئيس المؤتمر الوطني
الليبي "البرلمان" محمد المقريف استقالته في 29 مايو، تطبيقا لقانون العزل
السياسي للمسئولين في عهد نظام القذافي. وذكرت وسائل الإعلام الليبية أن
المقريف، الذي انتخب في أغسطس من العام الماضي رئيسا للمؤتمر الوطني العام
المنبثق عن انتخابات السابع من يوليو من العام ذاته، أعلن استقالته من
منصبه بحضور رئيس الحكومة علي زيدان ورئيس المحكمة العليا، مشيرة إلى أن
صلاحيات رئيس المؤتمر الوطني ستنقل إلى جمعة عتيقة، الذي ربما ينطبق عليه
هو الآخر قانون العزل السياسي لعمله إلى جانب سيف الإسلام القذافي في مؤسسة
"ليبيا الغد". وبعد استقالته، دعا المقريف جميع الليبيين إلى الالتفاف حول
الشرعية وعدم اللجوء إلى أساليب غير ديمقراطية كالتهديد باستخدام القوة ضد
السلطة الشرعية، وقال إن استقالته تأتي خدمة لمصالح البلاد، كما حذر من
خطر وجود أي فراغ سياسي في البلاد.
وكان المقريف، وهو من مواليد 1940 في بنغازي، أمضى 31 سنة في
المنفى، 20 سنة منها لاجئا سياسيا في الولايات المتحدة، قبل أن يعود إلى
بلاده في خضم الثورة التي وضعت حدا لحكم القذافي. ورغم أن المقريف شخصية
سياسية ونضالية تصدى لنظام القذافي لأكثر من 31 عاما، لكن قانون العزل
شمله، بالنظر إلى أنه عمل سفيرا لليبيا لدى الهند في الثمانينيات من القرن
الماضي، قبل أن ينشق وينضم إلى المعارضة الليبية في المنفى. وكان المقريف
وهو حاصل على دكتوراة في المالية من بريطانيا، أسس في ثمانينيات القرن
الماضي مع منشقين آخرين جبهة الخلاص الوطني الليبية التي حاولت الإطاحة
بالقذافي مرات عدة عبر انقلابات عسكرية، وأثناء وجوده في المنفى، طاردته
أجهزة مخابرات القذافي، الذي شن حملة في الثمانينيات لتصفية معارضيه، في
بلدان عربية وغربية.
ويعتبر المقريف "73 عاما" أول مسئول ليبي رفيع يغادر منصبه تطبيقا
لقانون العزل السياسي، الذي اعتمده المؤتمر الوطني في الخامس من مايو
ويبعد من الحياة السياسية الشخصيات التي شغلت مراكز مسئولية في ظل النظام
السابق منذ الأول من سبتمبر 1969 تاريخ وصول معمر القذافي إلى الحكم وحتى
سقوط نظامه في أكتوبر 2011. وتم تبني هذا القانون، الذي يدخل حيز التنفيذ
رسميا في 5 يونيو المقبل، تحت ضغط محاصرة ميليشيات مسلحة لعدد من الوزارات
لإجبار المؤتمر الوطني على إقراره. وتباينت ردود الفعل حول هذا القانون،
حيث يرى البعض أنه يمنع تحقيق أهداف المتربصين بالثورة الليبية بإعادة
إنتاج منظومة الفساد وفلول النظام السابق، فيما يرى البعض الآخر أنه قد
يتسبب بحالة فراغ سياسي. وأعرب رئيس منتدى ليبيا للديمقراطية علي بوزعكوك
في تصريحات لقناة "الجزيرة" في 28 مايو عن استنكاره المساواة بين المناضلين
ضد القذافي وأزلامه، فيما توقع عضو المجلس الانتقالي الليبي السابق سالم
قنان فراغا كبيرا في ليبيا بعد استقالة المقريف، الذي وصفه بصاحب تجربة
سياسية وحتى عسكرية إبان قياداته لجبهة "إنقاذ ليبيا"، كما حذر نائب رئيس
المجلس الوطني السابق عبد الحفيظ غوقة، وهو أحد المشمولين أيضا بالعزل
لعمله نقيبا للمحامين الليبيين في عهد القذافي، من أن فرض قانون العزل
بعيوبه تحت التهديد سوف يدخل ليبيا في فوضى وإرباك، رافضا بشدة إقرار
القوانين تحت التهديد والإملاء.
المصدر: جيهان مصطفى- صحيفة المصريون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق