صحيفة الحياة اللندنية- علي شعيب- بعد تجاذبات سياسية ومماحكات برهنت على
مدى نعومة الدولة الليبية، إن لم نقل هشاشتها، أصدر المؤتمر الوطني العام
الأسبوع الماضي «قانون العزل السياسي» المثير للجدل، وذلك في أعقاب شهور من
انتهاك حرمة وهيبة مؤسسات الدولة: بدءاً بالمؤتمر الوطني العام وانتهاء
برئاسة الحكومة والوزارات السيادية مروراً بوزارة العدل التي تتبعها
النيابات والمحاكم، وصولا إلى الإعلام والصحافة، على أيدي مجموعات، مدججة
بالمدافع المضادة للطائرات والقواذف والرشاشات، تصر على إصدار هذا القانون
الرامي إلى اجتثاث من وصفوا بـ «الأزلام» الذين عملوا على مدى 42 عاماً في
نظام القذافي.
وسينجم عن هذا القانون - إذا كتب له النفاذ - عزل رئيس المؤتمر الوطني العام محمد المقريف ونائبه الأول جمعة عتيقة، إضافة إلى نحو 23 من أعضاء المؤتمر، وعزل رئيس الحكومة الموقتة علي زيدان وستة من الوزراء العاملين معه في الحكومة، وإقصاء جل السفراء لدى الدول العربية والأجنبية وجميع قناصل ليبيا في سفاراتها بالخارج الذين هم عناصر من استخبارات القذافي.
المقريف عمل رئيساً لديوان المحاسبة وبعد تقريره الجريء والشهير عن الفساد المالي في دولة القذافي خلال منتصف سبعينات القرن الماضي، أقيل من منصبه وعين سفيراً في الهند. ولن يشفع له انشقاقه عن نظام القذافي، وتأسيسه مع عدد ممن شقوا عصا الطاعة مثله بداية الثمانينات «جبهة إنقاذ ليبيا»، التي ناوأت القذافي ونظامه بشراسة وصلت حد مهاجمة جناحها العسكري لمعقل القذافي بمعسكر باب العزيزية ربيع 1985.
وجمعة عتيقة الناشط الحقوقي لن يحميه من العزل تاريخه النضالي ومغادرته ليبيا إلى المنافي، بعد خروجه من السجن كأحد المثقفين اليساريين الذين استهدف القذافي إيداعهم السجون عام 1973، حتى لا يجرؤ بعد ذلك أحد على انتقاد ما بدأه في ذلك العام من انقلابات على من أوصلوه إلى السلطة من الليبيين.
أما بقية الـ 23 عضواً من أعضاء المؤتمر المنتخبين الذين تنطبق عليهم أية مادة أو فقرة من قانون العزل فلن يحصنهم انتخاب الشعب لهم نواباً عبر انتخابات شهد الليبيون والعالم بنزاهتها ونقائها من أية نقيصة.
وكذلك الحال بالنسبة للسيد علي زيدان رئيس الحكومة الموقتة فلن يعصمه من العزل عصيانه في ثمانينات القرن العشرين وإعلان معارضته ومشاركته في تأسيس «جبهة إنقاذ ليبيا».
ولن يحصنه من هذا القانون استخدام علاقاته واتصالاته الدولية في تسريع وتيرة اعتراف الدول بالمجلس الانتقالي كممثل للشعب الليبي اثر انحسار الشرعية عن القذافي غداة استخدامه القوة المسلحة ضد من ثاروا عليه.
ومثله أيضاً الوزراء الستة المستهدف إقصاؤهم لأنهم كانوا على علاقة بالدولة التي كان يسيرها القذافي أو أبناؤه وحاشيته دونما أية صفة عدا سطوتهم المستبدة.
وإخضاع السفراء والقناصل الليبيين لهذا القانون يمكن أن يقود إلى فصل وإقصاء كل العاملين في إدارة الدولة الليبية، وربما حتى في خارجها باعتبار أنهم كانت لهم في يوم ما علاقة بهياكل الدولة الليبية تحت سلطان القذافي، إذا ما أخذ في الاعتبار مسألة عدم تمكين أي شخص من أية وظيفة ما لم يكن قد حصل على «صك غفران» بالموافقة على شغله للوظيفة من مكتب الاتصال باللجان الثورية.
بل إن بين عدد من أعضاء تنسيقية العزل السياسي من كان شملهم رضا وقبول مكتب الاتصال باللجان الثورية حتى حصلوا على قرارات الإيفاد إما للدراسة أو للعمل بالخارج. وعندما استعذبوا الإقامة في أوروبا أو أميركا أو غيرهما تسلقوا قطار المعارضة ليحصلوا على اللجوء أو الإقامة الدائمة بالخارج حتى لا يعودوا إلى أرض الوطن. ويعرف معظم الليبيين أن الأمن الداخلي في ليبيا بلغ به التغول إلى درجة جعلته يحظر منح رخصة لمزاولة أي نشاط، سائق تاكسي أو مصنّع آلات ثقيلة، ما لم يتعهد طالب الرخصة كتابياً بتقديم تقرير على الأقل شهرياً حول مشاهداته وملاحظاته الأمنية وفي حال عدم التزامه يلغى ترخيصه ويكون محظوظاً ما لم يصبح من المشكوك فيهم الواجب ملاحقتهم!
استنساخ لقوانين القذافي
من هنا يمكن القول إن القانون المشار إليه إنما هو استنساخ لقوانين صدرت خلال العقود الأربعة الماضية إما لإقصاء من ليس مع فوضى القذافي السياسية وإما لنزع ملكيات المواطنين وإما لعزل الكفاءات التي لم تقبل تنفيذ الأوامر اللاقانونية، عزلهم تحت مسمى قانون التطهير. واستحدثت خلال تلك الحقبة مصطلحات:
السابع من أبريل: «مذبحة الجامعات والمؤسسات التعليمية» عام 1976 ممن لم يبدوا ولاءهم.
المداهمات: وهو المصطلح الذي أطلق على مهاجمة عناصر من اللجان الثورية لمرافق ومؤسسات الدولة واقتياد بعض العاملين بها للتحقيق والسجن بتهمة عدم إتقانهم لأعمالهم ظاهرياً، بينما الحقيقة هي إقصاء حتى الذين وشى بهم مخبر أو أحد مرؤوسيهم لمكتب اللجان أو لعضو لجنة ثورية نافذ!!
التطهير: وهو المصطلح الذي رافقه قانون كان القصد منه إبعاد أي عنصر لم يتلوث بفساد العقود أو تلوث وخرج على نطاق سيطرة القائد أو نطاق تغطية الأسرة والحاشية واعتقد أنه شب عن الطوق وأصبح في منأى عن هيمنة أي من تلك النطاقات!!
والفارق الوحيد بين المستنسخين هو أن ما كان تقوم به عناصر اللجان الثورية في المداهمات أو في حملات التطهير يتم ظاهرياً في ظل مسدسات مخبأة في جيوب البعض ومبرزة في أحزمة البعض قصد الترويع. أما صدور قانون العزل السياسي غداة ما تعرض له المؤتمر من محاصرات، واعتداءات، وتطويق رئاسة الوزراء ووزارات: الخارجية والداخلية والمالية والحكم المحلي فقد تم بعد استعراض القوة والتهديد بها وتعطيل حركة السير بغلق بعض الطرق والشوارع.
كان من السهل قبول صدور قانون العزل الليبي وتمريره بالطريقة التي مرر بها لو لم يكن رئيس جلسة المؤتمر الوطني رجل قانون في مكانة ومستوى جمعة عتيقة المحامي الذي يحمل دكتوراه في القانون والذي لا شك أنه يعرف الحقيقة التي أعلنها الدكتور يونس فنوش العضو البارز في حزب التوافق الوطني:
«إن أي شيء يتم إقراره تحت تهديد السلاح يعتبر غير قانوني. وإن إقرار قانون العزل السياسي في مثل هذه الظروف يعد ابتزازاً وسأكون أول الطاعنين فيه».
أما عبد الحفيظ غوقة النائب الأول السابق للمستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي، والمحامي الذي ترأس نقابة المحامين التي كانت مواقفها الوطنية أول مسمار يدق في نعـش نـظام القـذافي فـقد قـال معلقاً بعد أقـل من سـاعة على إقرار المؤتمر الوطني قانون العزل السياسـي: «لم أعد أثق في هذا المؤتمر الوطني العام بإصـداره هذا الـقانون تـحـت قـعقـعة سـلاح مجموعة ليبيين مدججين بالأسلحة المتوسطة إذ قد يفرط المؤتمر في السيادة الوطنية تحت تهديد خارجي أو سلاح أكبر وأخطر من سلاح الليبيين). مضيفاً: «المحن والشدائد هي التي تسقط الأقنعة من على الوجوه»!
القول بـ «شرعية الثورة» التي استخدمها بعض من أعضاء ما يسمي بـ «تنسيقية العزل السياسي» وبينهم من كانوا ضمن جوقة النظام السابق وتحت أمرة القذافي هي نفسها العبارة التي كان يرددها القذافي ولجانه الثورية.. من حيث عدم احترام القوانين (سواء القانون رقم 26 لعام 2011 بشأن إنشاء هيئة النزاهة والوطنية أو قانون التظاهر والاحتجاج سلمياً) وهو تطبيق لإحدى النقاط الخمس التي أعلنها القذافي عام 1972 في مدينة زوارة عندما غدر بمجلس قيادة الثورة الذي كان أعضاؤه متفقين في اجتماع برئاسته، سبق يوم إعلان القذافي نقاطه الخمسة على أن يعلن: حل مجلس قيادة الثورة وتشكيل حكومة انتقالية تتولى الإعداد لانتخابات تشريعية والانتقال من الثورة إلى الدولة... فما كان منه إلا أن خرج عن النص وأعلن تلك النقاط التي أوصلته إلى التفرد بالسلطة ومن دون سند قانوني!!
وغايات الإسلامويين الذين كانوا وراء الدعوة إلى العزل السياسي كانت «أسلمة» الدولة الليبية وبسط نفوذهم على جميع المناصب السيادية والمرافق الاقتصادية للوصول بالمال إلى ما لا يستطيعون إدراكه بالسلطة... وإقصاء من يوصفون بالعلمانيين الأقدر منهم على التعاطي مع مقتضيات العصر والتحولات السـياسية والاقتصادية التي تستوجبها إعادة بناء الدولة بأسس راسـخة من التـنميـة المـسـتدامة. وتبـدى ذلك جلياً عندما انبرى السيد عبد الرحمن الـسويـحلي ذو التوجه الإسلاموي بإعلان هذه الدعوة في أول اجتماع لاتحاد ثوار ليبيا في قاعة الشهداء بطرابلس بعيد تحرير البلاد، مقترحاً الاقتداء برومانيا، بعد سقوط نيكولاي تشاوشيسكو، التي أعلن فيها عزل سياسي لمدة 10 سنوات لكل من عمل في نظام تشاوشـيسكو. وربما لم يدرك السويحلي، الذي ترأس اتـحاد الـطلبة فـي بريـطانيا إبان حقبة السبعينات، أنه سـيكون من بين ضحايا ما دعا إليه في ذلك الاجتماع، واستـمر في الدفع والتشجيع على إصدار القانون حتى من خلال الاستعانة بالمجموعات المسلحة من الثوار سواء منهم من كان ملتحقاً بالجيش فعلاً أو من لم تستطع رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي تحت التأسيس إلا أن تصفهم بتبعيتهم للرئاسة.
لا أتصور أن قانون العزل السياسي الذي أقره المؤتمر الوطني الليبي يمكنه الصمود أمام الطعون التي سيتقدم بها المعترضون سواء على القانون في حد ذاته أو على الطريقة التي مرر بها، أو ما رافق التصويت عليه من مثلبة استخدام الطرق البدائية في إحصاء المصوتين سواء بالموافقة أو بالرفض أو بالامتناع والتحفظ.
وهي ثغرات يمكن أن تلحقه بالقانون الذي أصدره المجلس الانتقالي، قبل تسليمه السلطة للمؤتمر الوطني العام بعد الانتخابات مباشرة، في شأن تجريم تمجيد ومدح القذافي ونظامه الذي ألغته المحكمة الدستورية العليا الليبية بعد إصداره بأشهر قليلة فكان حكمها أكبر دليل على استقلالية القضاء الليبي وبرهان على احترام حقوق الإنسان.
والتمسك بإصدار هذا القانون قبل صياغة الدستور الذي هو أهم الأسانيد عند إصدار أي قانون، يقودنا إلى الشك في نوايا المصّرين عليه بمعاداة الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان لأن عزل مواطنين على خلفية عقائدهم السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الإثنية من النشاط الاجتماعي والسياسي يعتبر تدخلاً سافراً في الشؤون الشخصية لأولئك المواطنين ومساساً مباشراً لكرامتهم فضلاً عن سلب حقوقهم الشرعية التي ينص عليها القانون المدني وصكوك هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها الخاصة بالحقوق الإنسانية.
وسينجم عن هذا القانون - إذا كتب له النفاذ - عزل رئيس المؤتمر الوطني العام محمد المقريف ونائبه الأول جمعة عتيقة، إضافة إلى نحو 23 من أعضاء المؤتمر، وعزل رئيس الحكومة الموقتة علي زيدان وستة من الوزراء العاملين معه في الحكومة، وإقصاء جل السفراء لدى الدول العربية والأجنبية وجميع قناصل ليبيا في سفاراتها بالخارج الذين هم عناصر من استخبارات القذافي.
المقريف عمل رئيساً لديوان المحاسبة وبعد تقريره الجريء والشهير عن الفساد المالي في دولة القذافي خلال منتصف سبعينات القرن الماضي، أقيل من منصبه وعين سفيراً في الهند. ولن يشفع له انشقاقه عن نظام القذافي، وتأسيسه مع عدد ممن شقوا عصا الطاعة مثله بداية الثمانينات «جبهة إنقاذ ليبيا»، التي ناوأت القذافي ونظامه بشراسة وصلت حد مهاجمة جناحها العسكري لمعقل القذافي بمعسكر باب العزيزية ربيع 1985.
وجمعة عتيقة الناشط الحقوقي لن يحميه من العزل تاريخه النضالي ومغادرته ليبيا إلى المنافي، بعد خروجه من السجن كأحد المثقفين اليساريين الذين استهدف القذافي إيداعهم السجون عام 1973، حتى لا يجرؤ بعد ذلك أحد على انتقاد ما بدأه في ذلك العام من انقلابات على من أوصلوه إلى السلطة من الليبيين.
أما بقية الـ 23 عضواً من أعضاء المؤتمر المنتخبين الذين تنطبق عليهم أية مادة أو فقرة من قانون العزل فلن يحصنهم انتخاب الشعب لهم نواباً عبر انتخابات شهد الليبيون والعالم بنزاهتها ونقائها من أية نقيصة.
وكذلك الحال بالنسبة للسيد علي زيدان رئيس الحكومة الموقتة فلن يعصمه من العزل عصيانه في ثمانينات القرن العشرين وإعلان معارضته ومشاركته في تأسيس «جبهة إنقاذ ليبيا».
ولن يحصنه من هذا القانون استخدام علاقاته واتصالاته الدولية في تسريع وتيرة اعتراف الدول بالمجلس الانتقالي كممثل للشعب الليبي اثر انحسار الشرعية عن القذافي غداة استخدامه القوة المسلحة ضد من ثاروا عليه.
ومثله أيضاً الوزراء الستة المستهدف إقصاؤهم لأنهم كانوا على علاقة بالدولة التي كان يسيرها القذافي أو أبناؤه وحاشيته دونما أية صفة عدا سطوتهم المستبدة.
وإخضاع السفراء والقناصل الليبيين لهذا القانون يمكن أن يقود إلى فصل وإقصاء كل العاملين في إدارة الدولة الليبية، وربما حتى في خارجها باعتبار أنهم كانت لهم في يوم ما علاقة بهياكل الدولة الليبية تحت سلطان القذافي، إذا ما أخذ في الاعتبار مسألة عدم تمكين أي شخص من أية وظيفة ما لم يكن قد حصل على «صك غفران» بالموافقة على شغله للوظيفة من مكتب الاتصال باللجان الثورية.
بل إن بين عدد من أعضاء تنسيقية العزل السياسي من كان شملهم رضا وقبول مكتب الاتصال باللجان الثورية حتى حصلوا على قرارات الإيفاد إما للدراسة أو للعمل بالخارج. وعندما استعذبوا الإقامة في أوروبا أو أميركا أو غيرهما تسلقوا قطار المعارضة ليحصلوا على اللجوء أو الإقامة الدائمة بالخارج حتى لا يعودوا إلى أرض الوطن. ويعرف معظم الليبيين أن الأمن الداخلي في ليبيا بلغ به التغول إلى درجة جعلته يحظر منح رخصة لمزاولة أي نشاط، سائق تاكسي أو مصنّع آلات ثقيلة، ما لم يتعهد طالب الرخصة كتابياً بتقديم تقرير على الأقل شهرياً حول مشاهداته وملاحظاته الأمنية وفي حال عدم التزامه يلغى ترخيصه ويكون محظوظاً ما لم يصبح من المشكوك فيهم الواجب ملاحقتهم!
استنساخ لقوانين القذافي
من هنا يمكن القول إن القانون المشار إليه إنما هو استنساخ لقوانين صدرت خلال العقود الأربعة الماضية إما لإقصاء من ليس مع فوضى القذافي السياسية وإما لنزع ملكيات المواطنين وإما لعزل الكفاءات التي لم تقبل تنفيذ الأوامر اللاقانونية، عزلهم تحت مسمى قانون التطهير. واستحدثت خلال تلك الحقبة مصطلحات:
السابع من أبريل: «مذبحة الجامعات والمؤسسات التعليمية» عام 1976 ممن لم يبدوا ولاءهم.
المداهمات: وهو المصطلح الذي أطلق على مهاجمة عناصر من اللجان الثورية لمرافق ومؤسسات الدولة واقتياد بعض العاملين بها للتحقيق والسجن بتهمة عدم إتقانهم لأعمالهم ظاهرياً، بينما الحقيقة هي إقصاء حتى الذين وشى بهم مخبر أو أحد مرؤوسيهم لمكتب اللجان أو لعضو لجنة ثورية نافذ!!
التطهير: وهو المصطلح الذي رافقه قانون كان القصد منه إبعاد أي عنصر لم يتلوث بفساد العقود أو تلوث وخرج على نطاق سيطرة القائد أو نطاق تغطية الأسرة والحاشية واعتقد أنه شب عن الطوق وأصبح في منأى عن هيمنة أي من تلك النطاقات!!
والفارق الوحيد بين المستنسخين هو أن ما كان تقوم به عناصر اللجان الثورية في المداهمات أو في حملات التطهير يتم ظاهرياً في ظل مسدسات مخبأة في جيوب البعض ومبرزة في أحزمة البعض قصد الترويع. أما صدور قانون العزل السياسي غداة ما تعرض له المؤتمر من محاصرات، واعتداءات، وتطويق رئاسة الوزراء ووزارات: الخارجية والداخلية والمالية والحكم المحلي فقد تم بعد استعراض القوة والتهديد بها وتعطيل حركة السير بغلق بعض الطرق والشوارع.
كان من السهل قبول صدور قانون العزل الليبي وتمريره بالطريقة التي مرر بها لو لم يكن رئيس جلسة المؤتمر الوطني رجل قانون في مكانة ومستوى جمعة عتيقة المحامي الذي يحمل دكتوراه في القانون والذي لا شك أنه يعرف الحقيقة التي أعلنها الدكتور يونس فنوش العضو البارز في حزب التوافق الوطني:
«إن أي شيء يتم إقراره تحت تهديد السلاح يعتبر غير قانوني. وإن إقرار قانون العزل السياسي في مثل هذه الظروف يعد ابتزازاً وسأكون أول الطاعنين فيه».
أما عبد الحفيظ غوقة النائب الأول السابق للمستشار مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي، والمحامي الذي ترأس نقابة المحامين التي كانت مواقفها الوطنية أول مسمار يدق في نعـش نـظام القـذافي فـقد قـال معلقاً بعد أقـل من سـاعة على إقرار المؤتمر الوطني قانون العزل السياسـي: «لم أعد أثق في هذا المؤتمر الوطني العام بإصـداره هذا الـقانون تـحـت قـعقـعة سـلاح مجموعة ليبيين مدججين بالأسلحة المتوسطة إذ قد يفرط المؤتمر في السيادة الوطنية تحت تهديد خارجي أو سلاح أكبر وأخطر من سلاح الليبيين). مضيفاً: «المحن والشدائد هي التي تسقط الأقنعة من على الوجوه»!
القول بـ «شرعية الثورة» التي استخدمها بعض من أعضاء ما يسمي بـ «تنسيقية العزل السياسي» وبينهم من كانوا ضمن جوقة النظام السابق وتحت أمرة القذافي هي نفسها العبارة التي كان يرددها القذافي ولجانه الثورية.. من حيث عدم احترام القوانين (سواء القانون رقم 26 لعام 2011 بشأن إنشاء هيئة النزاهة والوطنية أو قانون التظاهر والاحتجاج سلمياً) وهو تطبيق لإحدى النقاط الخمس التي أعلنها القذافي عام 1972 في مدينة زوارة عندما غدر بمجلس قيادة الثورة الذي كان أعضاؤه متفقين في اجتماع برئاسته، سبق يوم إعلان القذافي نقاطه الخمسة على أن يعلن: حل مجلس قيادة الثورة وتشكيل حكومة انتقالية تتولى الإعداد لانتخابات تشريعية والانتقال من الثورة إلى الدولة... فما كان منه إلا أن خرج عن النص وأعلن تلك النقاط التي أوصلته إلى التفرد بالسلطة ومن دون سند قانوني!!
وغايات الإسلامويين الذين كانوا وراء الدعوة إلى العزل السياسي كانت «أسلمة» الدولة الليبية وبسط نفوذهم على جميع المناصب السيادية والمرافق الاقتصادية للوصول بالمال إلى ما لا يستطيعون إدراكه بالسلطة... وإقصاء من يوصفون بالعلمانيين الأقدر منهم على التعاطي مع مقتضيات العصر والتحولات السـياسية والاقتصادية التي تستوجبها إعادة بناء الدولة بأسس راسـخة من التـنميـة المـسـتدامة. وتبـدى ذلك جلياً عندما انبرى السيد عبد الرحمن الـسويـحلي ذو التوجه الإسلاموي بإعلان هذه الدعوة في أول اجتماع لاتحاد ثوار ليبيا في قاعة الشهداء بطرابلس بعيد تحرير البلاد، مقترحاً الاقتداء برومانيا، بعد سقوط نيكولاي تشاوشيسكو، التي أعلن فيها عزل سياسي لمدة 10 سنوات لكل من عمل في نظام تشاوشـيسكو. وربما لم يدرك السويحلي، الذي ترأس اتـحاد الـطلبة فـي بريـطانيا إبان حقبة السبعينات، أنه سـيكون من بين ضحايا ما دعا إليه في ذلك الاجتماع، واستـمر في الدفع والتشجيع على إصدار القانون حتى من خلال الاستعانة بالمجموعات المسلحة من الثوار سواء منهم من كان ملتحقاً بالجيش فعلاً أو من لم تستطع رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي تحت التأسيس إلا أن تصفهم بتبعيتهم للرئاسة.
لا أتصور أن قانون العزل السياسي الذي أقره المؤتمر الوطني الليبي يمكنه الصمود أمام الطعون التي سيتقدم بها المعترضون سواء على القانون في حد ذاته أو على الطريقة التي مرر بها، أو ما رافق التصويت عليه من مثلبة استخدام الطرق البدائية في إحصاء المصوتين سواء بالموافقة أو بالرفض أو بالامتناع والتحفظ.
وهي ثغرات يمكن أن تلحقه بالقانون الذي أصدره المجلس الانتقالي، قبل تسليمه السلطة للمؤتمر الوطني العام بعد الانتخابات مباشرة، في شأن تجريم تمجيد ومدح القذافي ونظامه الذي ألغته المحكمة الدستورية العليا الليبية بعد إصداره بأشهر قليلة فكان حكمها أكبر دليل على استقلالية القضاء الليبي وبرهان على احترام حقوق الإنسان.
والتمسك بإصدار هذا القانون قبل صياغة الدستور الذي هو أهم الأسانيد عند إصدار أي قانون، يقودنا إلى الشك في نوايا المصّرين عليه بمعاداة الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان لأن عزل مواطنين على خلفية عقائدهم السياسية أو الدينية أو المذهبية أو الإثنية من النشاط الاجتماعي والسياسي يعتبر تدخلاً سافراً في الشؤون الشخصية لأولئك المواطنين ومساساً مباشراً لكرامتهم فضلاً عن سلب حقوقهم الشرعية التي ينص عليها القانون المدني وصكوك هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها الخاصة بالحقوق الإنسانية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق