"دولة
فاشلة".. وصف يجمع عليه العديد من المحللين السياسيين لليبيا، حيث تعيش
البلاد فوضى السلاح، وسيطرة الميليشيات، الخارجة على القانون، على العديد
من مؤسسات الدولة، وأسلحة الجيش، ومراكز القوة فى العاصمة، ففى ظل حالة
القلق والخوف التى خلفتها الفوضى، والانفلات الأمنى بعد ثورة 17 فبراير،
التى أطاحت بالزعيم الراحل، معمر القذافى، الذى امتد لـ42 عاماً، صار
الاحتماء بالقبيلة، أو الجماعات الفئوية ملاذاً لليبيين بدلاً من الاحتماء
بالدولة والقانون.
وتلاشت الشعارات والأمانى الوردية التى كان يسوقها الإعلام خلال
الثورة الليبية، منذ عامين، بما تتمتع به البلاد من وحدة وتناغم، فبعد سقوط
القذافى، كشرت العصبيات عن أنيابها، واشتعلت الحروب الجانبية، ونصبت كل
قرية وكل مدينة بواباتها، وانتشرت ظاهرة الخطف، وتبادل الأسرى، والمقابر
الجماعية الانتقامية.ويرى محللون أن ليبيا تحولت إلى مجرد «سقف» أو «غطاء
هش» لقوى وجماعات مسلحة متصارعة، سواء كانت قبلية، أو ميليشيات حزبية،
وأصبحت الميليشيات المحركات التى تقود الدولة الليبية.
كانت وكالة «أسوشيتد برس» الأمريكية قد كشفت فى تقرير أن «الحكومة
تدفع الأموال للميليشيات التى تقوّض حكمها، وتزيد من الخروج على القانون»،
الأمر الذى أفقد الدولة الناشئة أهم مقومات وجودها، وهو ممارسة السيادة
على الأرض، فاختارت الدولة الجديدة مبدأ التعايش مع الميليشيات التى تتمتع
بالحصانة المعنوية كونهم "الثوار الذين أسقطوا نظام القذافي".
وبات المؤتمر الوطنى العام، البرلمان المنتخب، مطالباً بالاستجابة
لإملاءات المسلحين الذين يتمسكون بصفة الثوار التى تعطيهم، حسب اعتقادهم،
الشرعية والحق فى فرض السياسات، والقرارات على الحكومة.وتعيش
ليبيا أزمات متلاحقة على جميع الأصعدة، بسبب ضعف النخبة السياسية، وعجزها
عن بناء هياكل الدولة، وفرض هيبتها، حسب المراقبين للأوضاع هناك، وشهدت
الفترة الماضية عدة أحداث تعكس انعدام الأمن، ومنها حصار مؤسسات الدولة
والسفارات الأجنبية، الأمر الذى حذرت الولايات المتحدة من أنه يمثل
انتهاكًا لمبادئ الديمقراطية التى حاربت قوى المعارضة من أجل إرسائها عام
2011.
وعلى الرغم من أن الثورة الليبية خلفت آمالاً عريضة بأن تنجح
عملية إعادة البناء، فى تحسين حياة الناس العاديين بسرعة كبيرة، فإنها تركت
بلداً لايزال يواجه قضايا يرتبط الكثير منها ببيئة ما بعد الصراع.ويعتقد
بعض الكتاب السياسيين أنه فى بيئة تتسم بالتوقعات المرتفعة، وحكومة تفتقر
إلى الخبرة، وعشرات الآلاف من المقاتلين المسلحين فى الشوارع، تركز الأمم
المتحدة والجهات المانحة على دعم العملية الانتقالية لتجنب انهيار القانون
والنظام.
ويحذر المراقبون للشؤون الليبية من أن البلاد تتجه لأن تكون
«عراقا جديدا»، ويقول المتحدث باسم المفوض المكلف بالتوسيع وسياسة الجوار
فى المفوضية الأوروبية، بيتر ستانو، إن «المخاطر الرئيسية التى نواجهها هى
الأمن، والوضع العام فى فترة ما بعد الصراع، بالإضافة إلى الإدارة الضعيفة،
وهي إرث عصر القذافي، وعدم وجود ثقافة القطاع العام وإدارة الدولة لمصلحة
مواطنيها".
وتلخص قضية السلاح مأزق السلطات الليبية التى أصبحت مجرد «واجهة»،
فهى لا تملك القرار الذى يبقى الجزء الأكبر منه فى أيدى المقاتلين الذين
يفرضون منطقهم على الأرض، وتدخل التنظيمات المتطرفة على الخط لتزيد تعقيد
الوضع، ويعكس الإصرار على حمل السلاح انعدام الثقة بين مختلف تشكيلات
المعارضة الليبية، وعدم وجود توافق حول المشروع السياسى الذى يمكن أن يضع
قواعد بناء الدولة الليبية ما بعد القذافي.وبعد
سحب بعض الدول الغربية دبلوماسيها من ليبيا، أصبحت حظوظ البلاد فى التنمية
والاستقرار قليلة، حيث تزداد مخاوف هذه الدول من إمكانية سيطرة المتطرفين
المسلحين على أجزاء من البلاد.
كما تواجه البلاد مخاطر جمة من قانون العزل الذى يشمل كل الطواقم
السياسية والإدارية التى خدمت فى عهد القذافى. فبينما يرى البعض أن قانون
العزل السياسى يمثل مطلبا شعبيا واسعا لحصار «فلول» النظام القديم وتنقية
الثورة من الفاسدين والقتلة، ترى العديد من القبائل والتيارات السياسية أن
القانون يعاقب الآلاف من الأبرياء ليس إلا أنهم كانوا مضطرين للعمل فى
أجهزة الدولة فى عهد القذافى لإطعام أولادهم وكسب قوتهم. الأمر الذى تستغله
العديد من الأطراف المعارضة أو المسلحون لشن الهجمات وارتكاب حوادث القتل
والاختطاف وحصار المؤسسات بما يهدد المكتسبات المحدودة التى حققتها الثورة
فى ظل انتشار السلاح وعدم قدرة الحكومة على جمعه من الميليشيات.
ورغم من تحرر ليبيا من نظام القذافي، واتخاذها خطوات أولية نحو
الديمقراطية، إلا أن الصورة على الأرض تبدو «كئيبة»، فالحكومة ضعيفة،
والفساد بلغ ذروته، والميليشيات تتقاسم مناطق النفوذ وتضع نفسها فوق الدولة
والقانون، وتحذر منظمة العفو الدولية من انتهاكات حقوق الإنسان التى
ترتكبها الميليشيات، مؤكدة أنها تهدد الآمال فى ليبيا الجديدة.
المصدر: المصري اليوم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق