أما الذين لا يتحدثون لغة الإشارات، فقامت الترجمة المكتوبة
بدورها في نقل الأحاديث الدائرة بين مقدم البرنامج الذي لعب دور الصحافي
الميداني وبين منتسبي «الكتيبة الثالثة» ليتيسر عليهم فهمها، والتفاعل مع
الأحداث التي تدور حولها، فهم بحاجة إلى توضيحات إضافية تتعلق بالخلفية
التاريخية لأسباب نشوب الصراع وتطور الحراك الذي تصاعد بطريقة دراماتيكية
دفعت قطاعات كبيرة من الشعب للانخراط فيه من دون الاستعداد كفاية من
الناحية العسكرية كما هي حال أعضاء «الكتيبة الثالثة». فهؤلاء لم يتلقوا من
قبل تدريباً عسكرياً ولهذا اكتسبت حكاياتهم بعداً مشوقاً ودرامياً كما جاء
في حديث أحد منتسبيها عن ظروف قبولهم في صفوف المتطوعين على رغم معارضة
قادة الوحدات في بادئ الأمر. يقول أحدهم: «رفضوا مشاركتنا كمقاتلين في بادئ
الأمر فكلّفونا بتوفير الذخيرة ونقل المعدات وبعد تعرفهم إلى قدراتنا
الحقيقية تشجعوا وطلبوا منا التدريب على السلاح. ثم بعد مدة اعترفوا
بكتيبتنا وسمحوا لنا بالاشتراك في معارك تحرير سرت». ويعترف كثر منهم
بالصعوبات التي واجهتهم والظروف القاسية التي حاربوا فيها وكيف عانوا من
الجوع وقلة النوم. «أيام كثيرة لم ننم فيها سوى ساعات قليلة، كنا في حركة
دائمة بين توفير الذخائر وتنظيف السلاح والمشاركة في المعارك، لكننا في
نهاية المطاف استطعنا الصمود وأسقطنا القذافي».
خلال الوقت الذي جاء به دانيال إلى مصراتة كانت البلاد تمرّ
بمرحلة انتقالية، فالقذافي لم يعد موجوداً، لكنّ الخوف من مؤيديه وأتباعه
كان حاضراً، ما ألزم «الكتيبة الثالثة» بالاستمرار بأعمال مراقبة الحواجز
وتأهيل السلاح القديم بأيدي عمال مهرة كانوا بينهم. أما زيارته إلى مقرهم
فأخذ جانباً آخر غير الحرب، فمقدم البرنامج أراد معرفة تأثيرها فيهم، وسأل
بعضهم إن كان قد قتل أحداً بنفسه وكيف كان إحساسه وهو يطلق النار للمرة
الأولى، وهل سيسلم سلاحه حال استتباب الأمن؟ أسئلة أوصلته إلى نتائج مهمة
تتعلق بوضع ليبيا ومستقبلها، فغالبيتهم رفضت فكرة تسليم السلاح مفضلة
الانتظار وترقب تطور مسار الأحداث، كما أن قسماً من مراكز استخبارات النظام
السابق التي سيطر عليها أعضاء «الكتيبة الثالثة» ظل يستقبل سجناء ولكن هذه
المرة ليس من صفوف المعارضين بل من مؤيدي القذافي الذين راحوا يُستجوبون
فيها ويعذبون بطريقة «خفيفة» على حد قول أحدهم، ما دفع معدّ البرنامج
لسؤالهم عن جدوى الانتقام وعن جدوى مضي عجلة العنف في دورانها؟
بعيداً عن الدوافع التي جرتهم إلى الصراع المسلح، ومنها قسوة
النظام السابق وإذلاله فئات الشعب، بما فيهم ذوي الاحتياجات الخاصة، يأمل
كثر من أعضاء «الكتيبة الثالثة» في حياة أفضل مستقبلاً، متأملين من التغيير
المنتظر أن يوفّر لهم فرص عمل جيدة ودراسات تأهيلية في الخارج وأن تؤمن
الدولة البديلة لأولادهم تعليماً لائقاً ولعائلاتهم حياة كريمة أفضل من تلك
التي عاشوها تحت سلطة القذافي.
المصدر: الحياة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق