. وعلى زيدان هو اسم رئيس وزراء ليبيا الثورة حاليا، ربما يكون
اسمه لا يتردد فى وسائل الإعلام المصرية، مثله مثل كثيرين، حيث لا ننشغل
إلا بكل ما هو شأن داخلى، وحتى حينما عادت ليبيا لواجهة الأخبار لبعض
الوقت، كان بطل الاحداث أحمد قذاف الدم فى أثناء إلقاء القبض عليه، لكننا
لم نقرأ كثيرا ولا قليلا عن السيد على زيدان، حتى فى إطار واقعة قذاف الدم.
وقد تابعت أخيرا حوارا تلقزيونيا للرجل مع قناة الجزيرة، ولا أستطيع أن
أخفى إعجابى به، وبأدائه كرجل دولة، فى بلد يعيش ثورة مثلنا، وهو الذى ظل
فى صفوف المعارضة الليبية منذ العام ١٩٨٠، أى ظل يعارض القذافى قرابة ٣٢
عاما قبل الإطاحة به، وكما لا أخفى إعجابى بالرجل فإننى لا أخفى شعورى
بالغيرة لافتقاد حياتنا السياسية لمثل هذه النوعية من الشخصيات التى تستحق
أن تكون فى مقدمة الصفوف فى المراحل الانتقالية.
الرجل قال الكثير المهم فى الحوار مع الجزيرة، لكن اكثر ما لفت نظرى،
إصراره على ان التوافق هو السبيل الوحيد للنهوض بليبيا، ثم تجاوز فكرة
التوافق إلى ضرورة المصالحة الوطنية، وانه لا يجب اقصاء أى ليبى من الحياة
السياسية، بما فى ذلك من كانوا يعملون مع القذافى، واعترض صراحة على قوانين
العزل السياسى، وأشار إلى انها تهدم ولا تبنى، وان على الجميع ان يشارك فى
بناء بلاده، ثم اعترف ــ بذكاء ــ ان الاقصاء لمن كان يعمل فى ظل النظام
السابق، فهذا يعنى اقصاء الثورة والثوار لأن الجميع عمل فى ظل النظام
السابق، لكنهم كانوا يعملون فى بلادهم وليس فى بلاد القذافى، ثم كشف بزهو
عن أنه هو الذى قال يوما إن القذافى لو كان مد يده لمصافحته لصافحه وهو
الذى كان يطارده بحثا عن قتله، وبالمناسبة على زيدان كان يقود تيار التشدد
داخل المعارضة الليبية فى أثناء حكم القذافى وكان يرفض أى حوارات او
اتصالات به، ومع ذلك اعلن الرجل ــ وقتها ــ ان التسامح ضرورة انسانية
للحياة واستمرارها، ثم يعود الآن ليؤكد ضرورتها فى إعادة البناء.
أدهشنى أن هذا المعارض الثورى الشرس، الذى لعب دورا كبيرا فى ترسيخ
الثورة الليبية على الساحة الدولية، هو الذى يعترف الآن بمأساة سقوط مؤسسات
الدولة، وهو يرى أن هذا هو الانهيار، وأن على جميع الثورات أن تعمل على
اعادة هذه المؤسسات، حتى ولو برجالها القدامى، لأنهم أولا وأخيرا أبناء
بلدهم، والمطلوب فقط ضبط القيادة، وطبعا تأتى رؤيته فى اطار من التوافق
وعدم الاقصاء، فهو لا يريد لأى ليبى أن يكون منبوذا، طالما لم يشترك فى
جرائم جنائية أو نهب أموال وطنه.
وقبل ان ينتهى الحوار، أشار المحاور النابه احمد منصور إلى كونه
ليبراليا، وقبل ان يستكمل منصور سؤاله، قاطعه بحسم، مؤكدا انه مسلم يؤدى
واجباته وفرائضه، لكنه لا يخلط الدين بالسياسة، وأن مهمته اصلاح حال بلاده
والمساهمة فى نهضتها، وليس وعظ شعبه، فالمهمة، كما قال، صعبة تحتاج إلى جهد
الجميع وتوافقهم لا اختلافهم ولا المزايدة على بعضهم فى أى أمر من الأمور.
هذا ما فهمته من حوار الرجل، وأعتقد أن ليبيا ساندها الحظ لوجود رجل مثل
على زيدان على رأس سلطتها التنفيذية، فعلا علينا أن نشعر بالغيرة.
بقلم / عمرو خفاجى
الشروق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق