منذ اليوم الأول لثورة فبراير والشعب الليبي في كل مدنه وقراه يسطر
نهجًا يبرهن فيه على أنه شعب من معدن أصيل، ثار بعد صبر طويل، وواجه العنف
الصادر ضد ثورته الشعبية السلمية منذ ساعاتها الأولى، تصدى للاستعمال
المفرط للقوة من قبل كتائب القذافي وأعوانه، وحمل الشباب السلاح وانخرط
المخلصون المنحازون للشعب ومصلحة الوطن كلٌّ بما يقدر عليه إلى هذه الثورة
الوطنية التي شكلت مع الأيام أروع الملاحم البطولية.
نعم، إن هذا الشعب أبهر العالم بانتفاضته في فبراير، ثم عاد بعد حمل
السلاح ليواجه التحديات ويبهر العالم مرة أخرى عندما اصطف في طوابير
الديمقراطية في أول عملية انتخابية حرة شفافة شهد لها القاصي قبل الداني.
وها هو يبهر العالم للمرة الثالثة في احتفالاته التلقائية العظيمة
بالذكري الثانية للثورة التي توقع الكثيرون في الداخل والخارج- قياسًا على
ما حدث في ثورات الربيع العربي بمصر وتونس- أن تكون مصحوبة بعنف نظرًا لعدم
رضا الشعب على أداء مؤسساته المؤقتة من ناحية، ومن ناحية أخرى التحرك
الكبير الذي قام به أعوان القذافي، في مصر خاصة وفي الدول الأخرى، بإرسال
المخربين لزعزعت الأمن والاستقرار في المدن الليبية، وتخطيطهم بل وإعلانهم
في بعض الوسائل الإعلام المأجورة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، أنهم
قادمون لقلب الطاولة علي “ثوار الناتو”، حسب زعمهم.
يقولون ذلك وقد تناسوا أن ما حدث في ليبيا هي ثورة شعبية حقيقية، وقف
معها العالم بأسره بقرارات رسمية من الأمم المتحدة منذ شهر مارس إلي مايو
٢٠١١م عن طريق دول التحالف الأوربية والعربية، ثم بعد ذلك استلم الناتو
بقية المهمة بالتنسيق مع دول عربية أخرى من خارجه.
تناسوا ذلك وتناسوا أيضًا أن إدارتهم البالية بقيادة القذافي وأسرته
وعصابته قهرت الليبيين وأساءت إلى معظم دول العالم الشقيقة والصديقة،
وبالتالي فإن مؤازرة الثورة الشعبية الليبية شهد تعاطفًا عالميًّا كبيرًا.
نعم أيها السادة، لو لم يتدخل المجتمع الدولي لكان القذافي وقواته أفنت
المدن الثائرة وعلى رأسها بنغازي ومصراتة والزاوية وغيرها من المدن والقرى
الليبية الصامدة الباسلة.
لهذه الأسباب خرج شعبنا العظيم في كل المناطق الليبية ليحتفل بعفوية
وليبرهن للمرة الثالثة أمام العالم كله على أنه هو الوحيد بشبابه القادر
علي الحسم، ليحتفلوا بثورتهم وليقولوا وفي الوقت نفسه لمؤتمرهم وحكومتهم:
“صححوا مساركم واهتموا بمطالبنا؛ لأن الشعب حطم القيود وكسر جدران الخوف..
وهو قادر على أن يعيد تنظيم نفسه وبشكل منظم ومن خلال الشرعية التي أوجدها
في هذه الفترة الانتقالية”، هكذا أثبت الشعب الليبي أنه واعٍ ويدرك ما يدور
وقادر على حماية ثورته ومكتسباته في الحرية وإنهاء حكم الاستبداد .
وأقول: علينا الآن أن نبهر العالم للمرة الرابعة بأن نبدأ في العمل، ولذلك فإنني هنا أوجه دعوة صادقة لتحقيق الآتي:
أولاً: انخراط كل الموظفين الرسميين في أعمالهم وبداية عمل جاد يختلف عن
سلبيات الإدارة السابقة، وأن يكون سلوكنا في العمل هو خدمة المواطن الليبي
الذي هو الأخ والأخت وابن العم، نعم يجب أن يشعر الموظف أنه الآن حر يعمل
بحرية، وهذه الحرية تعني احترام أداء الواجب، وأنه لا فرق بين المواطنين
الراغبين في الحصول علي الخدمة، وأناشد المواطن أن يحترم الموظف ويتعامل
معه بسلوك حضاري عند طلب الخدمة، وهكذا يكون السلوك الحضاري بين مقدم
الخدمة ومستحقها بداية لعهد جديد من العلاقة المتبادلة.
ثانيًا: أن تبدأ الحكومة على وجه السرعة في تجسيد نظام جيد جديد للحكم
المحلي على أرض الواقع، وأن تمنح قياداته الصلاحيات اللازمة وأن تضخ
الأموال لتنفيذ المشروعات المحلية التي تخدم المواطنين؛ لكي يشعر الشعب
بالثورة وبمنجزاتها وليرى بنفسه أن هناك تغييرًا إيجابيًّا إلى الأفضل.
ثالثا: على ثوارنا في جميع مواقعهم الانخراط في التنظيمات العسكرية
والأمنية، لأن ذلك أصبح واجبًا وطنيًّا لا خيار لكم فيه، وبالتالي نريد عام
٢٠١٣ نهاية حقيقية لوجود السلاح الثقيل خارج المؤسسات الرسمية العسكرية
والأمنية للدولة الليبية.. كما يقع على الحكومة مسئولية البدء الفوري في
تنظيم حمل السلاح للمدنيين وإصدار التراخيص اللازمة لمن سيسمح له بحمل
السلاح الشخصي .
رابعًا: نحن في أمسّ الحاجة إلي البدء الفوري في تنظيم الاستثمارات
وإصدار اللوائح المنظمة لها، لجلب الاستثمارات الأجنبية وتقديم التسهيلات
لليبيين والليبيات لخوض سوق الإنتاج والتجارة والخدمات، وتقديم التسهيلات
الائتمانية لدفع عجلة الإنتاج للأمام وفتح آفاق جديدة لعمل شبابنا في كل
الميادين المتاحة.
نعم؛ لقد دقت ساعة العمل، وعلينا أن نبدأ بكل جدية في عمل يومي نسابق به
الزمن؛ لأنه يقع على عاتقنا مسئولية عظيمة وواجبات كبيرة من أجل بناء
ليبيا الجديدة.
المنارة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق