قال الدكتور جمعة عتيقة النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام الليبي في
حوار مع «الشرق الأوسط»: إن «ملاحقة قيادات نظام العقيد الراحل معمر
القذافي في مصر لا علاقة لها بأي صفقات مالية أو غير مالية بين القاهرة
وطرابلس الغرب».
وأضاف أن رموز النظام السابق مطلوبون للعدالة للتحقيق معهم في التهم المنسوبة إليهم بارتكاب وقائع فساد وجرائم جنائية في عهد النظام السابق، وعلى رأسهم أحمد قذاف الدم، ابن عم القذافي والمحتجز في مصر بعد القبض عليه منذ نحو عشرة أيام، وكان يعمل منسقا سابقا للعلاقات المصرية الليبية، ومبعوثا شخصيا للعقيد الراحل.
وكان عتيقة في طريقه من دولة جنوب أفريقيا عائدا إلى بلاده عبر القاهرة. وشدد على أن ليبيا الجديدة يهمها تطبيق العدالة دون مساع لانتقامات أو تصفية حسابات. قائلا: «ليس بيننا وبين قذاف الدم أو غيره أي شيء شخصي.. نحن نطلبه وغيره لأنهم ارتكبوا أفعالا إجرامية في حق الشعب الليبي، ونريد محاكمتهم محاكمة عادلة». وقال: إن «علاقة ليبيا بمصر الآن فوق أي صفقات». وتحدث عتيقة الذي استهدفه نظام القذافي لسنوات بالمطاردة والسجن، عن الجدل الدائر في ليبيا بشأن قانون العزل السياسي وعلاقة ذلك بمحمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية الليبي، مشيرا إلى أنه من الخطأ تكرار تجربة «اجتثاث البعث» في العراق. كما تطرق إلى الإجراءات المتوقعة في ما يخص المساعي لإنجاز الدستور الجديد للبلاد.
وإلى أهم ما جاء في الحوار.
* هل وجودك في مصر له علاقة بملف ملاحقة قيادات النظام السابق، وعلى رأسهم قذاف الدم؟
- في الحقيقة لا أستطيع أن أنفي أن له علاقة لأن هذا الملف مهم بالنسبة للشعب الليبي، لأن هذا مطلب من المطالب العادلة ولا أحد يستطيع أن يشكك فيها أو يزايد عليها. ولكن أنا كنت في جنوب أفريقيا لحضور مؤتمر البريكس كممثلين لاتحاد المغرب العربي لأن ليبيا حاليا ترأس الدورة، ورجعت إلى القاهرة.. لست بعيدا عن هذا الموضوع، لأنه يهمنا، ويهمنا أن تطبق العدالة. نحن لا نسعى لانتقامات، ولا تصفية حساب، وليس بيننا وبين قذاف الدم أو غيره أي شيء شخصي.. نحن نطلبه وغيره لأنهم ارتكبوا أفعالا إجرامية في حق الشعب الليبي.. نهبوا أموالا، وارتكبوا أفعالا تدخل في باب الجرائم الجنائية.. اختطافات ومخالفات جزائية صرفة.. ونحن على ثقة بأن الشقيقة مصر التي قامت فيها ثورة، تحمل هذه المطالب وعلى رأسها مطلب المحاكمة العادلة. نحن لا نريد أكثر من المحاكمة العادلة واسترداد الحقوق ونتعهد ونتكفل بأن تكون محاكمتهم عادلة وتحت رقابة دولية وتوفر لهم فيها كل الضمانات. من كان منهم بريئا فليثبت براءته ويخرج ويعيش حياته كمواطن ليبي في وطنه، ومن ارتكب فعلا ينال جزاءه وفقا للقانون وداخل نطاق القضاء.
* هناك حديث في الإعلام المحلي بمصر عن أن ملاحقة عناصر النظام الليبي السابق لديها ترتبط بـ«صفقة مالية» تقدم ليبيا بموجبها مساعدات اقتصادية لمصر؟
- مثل هذا التفكير بوجود مؤامرة وصفقات هو من ذيول الأنظمة الاستبدادية التي كانت.. أعني أن الأنظمة السابقة كانت تتصرف في حياة الناس وفي مصائرهم في دائرة الصفقات، بين المخابرات.. بين الأجهزة، وغيرها.. لكن علاقتنا بمصر الآن فوق أي صفقات. هذه ليست مجاملة. نحن ومصر واحد وأنا أرفض حتى تعبير «مساعدة مصر»، لأن هذا واجب الأخوة نحو بعضهم. إذا أردنا أن نعبر عن الأمور بهذه الطريقة فإن مصر هي التي ساعدتنا بأكثر مما نستطيع نحن أن نساعدها حتى ولو على مدى قرن قادم.. مصر علمتنا وساعدت ليبيا في أيام الفقر. وحين ضاقت بالليبيين أرضهم في أيام الاستعمار وفي أيام الجهاد، وجدوا مصر التي احتضنتهم ورعتهم. أعتقد أن من يقوم بترويج الكلام عن «صفقة» هو الطرف الآخر.. أحمد قذاف الدم على سبيل المثال هو رجل هذه المهام بامتياز. هو يعرف الصفقات ومارسها مع النظام السابق في مصر، وتواطأ في اختطاف رموز كبيرة في ليبيا، مقابل دفع أموال ورشى.. هذا هو التفكير الذي يتحرك الآن، منه وممن هم على شاكلته، ومن يؤيدونه الآن هم نتاج لهذه العقلية. وحاولوا زعزعة الاستقرار داخل ليبيا. وما يسندهم في كل ذلك مليارات الدولارات من أموال الشعب الليبي التي نهبوها.
* وإلى أين وصل الجدل حول مشروع قانون العزل؟
- نعم.. دعني أقول في البداية إن موضوع العزل كجوهر.. وكمطلب، دائما بعد الثورات، مثل التي حدثت في ليبيا أو في باقي دول الربيع العربي، أو كما حدثت في السابق في كثير من دول العالم، فإن إحدى قواعد العدالة الانتقالية، أي الانتقال من واقع إلى واقع سياسي وإداري واقتصادي يستوجب ما يسمى بفحص المؤسسات. أي لا يجوز منطقا ولا عقلا، ومن خلال تجارب الآخرين، أن تدار هذه المؤسسات بعناصر وبأداء من كانوا سببا في فساد الأنظمة السابقة. أعتقد أن هذه النقطة محل اتفاق. لكن السؤال هو كيف يتم ذلك؟ ما هي الآلية؟ وما هو الهدف من ذلك؟ هدف العدالة الانتقالية هو الانتقال من واقع استبداد وفساد وهدر للمال العام وانحراف وتغييب لعقل المواطن، إلى واقع يحقق فعلا كل الأمور المستهدفة من هذه الثورات أو من هذا التغيير. السؤال الكبير الذي يواجهنا وواجهته أغلب ثورات الربيع العربي هو كيف يتم ذلك؟ طبعا حدث جدل كبير في هذا. كثير من الشباب ومن القوى المطالبة بالعزل، حتى بالشكل الراديكالي، هم في الحقيقة يعبرون عن هذا المطلب كما عرضته توا، لكن قصور الوعي أحيانا وعدم إدراك النتائج وعدم إدراك حتى ربما التداعيات أو السلبيات التي قد تنشأ عن عدم وجود آلية صحية ومنضبطة وموضوعية ولا تظلم أحدا وتستفيد من القدرات والكفاءات.. (هذا الأمر) خلق نوعا من المطالب الحادة التي ترى في هذا العزل السياسي عبارة عن شعار هي لا تذهب أبعد من ذلك، ولكن هي لا تريد الوجوه الأولى أن تستمر في إدارة الواقع الجديد.
* هل هذه الجهات من داخل المؤتمر الوطني أم من خارجه؟
- هذه الجهات تعبر عن وجهات نظر.. تختلف.. ربما من داخل المؤتمر من يرى ذلك. هناك من خارج المؤتمر، بعض الشباب وبعض القوى.. ما أقصده هو أنهم يتفقون جميعا على أنه لا بد من عمل شيء لتطهير الإدارة والسير بها إلى الأمام. لكن ما ينقصهم هو الوعي بما قد يترتب على التطبيق الخاطئ من نتائج سلبية.
* يفترض أنه كان هناك موعد لنظر مشروع قانون العزل في المؤتمر الوطني، لكن قيل إنه تم تأجيله، فلماذا تم تأجيله؟ ومتى يمكن أن يطرح للمناقشة؟
- في واقع الأمر، وأنا أقول لك ما حدث داخل المؤتمر الوطني. لم يتم تحديد موعد نهائي، ولكن تم تشكيل لجنة لوضع مسودة أولية، مقترح أولي للتوافق.. ربما حدث بعض الجدل بين الكيانات السياسية وبعض الكتل.. أو ما أستطيع أن أسميه المناكفات فيما بينها. وقدموا مسودة لا تصلح أن تكون حتى مسودة أولية كمشروع قانون.. ولكن لم يحدد موعد للمناقشة في المؤتمر الوطني، ولكن قدمت لكي يناقشها الشارع ويبدي فيها الناس رأيهم. وهذا ما حصل.. البعض انتقدها بشدة والبعض في المقابل قالوا نريدها كما هي.. هناك جدل في هذا الإطار. لكن ما نقل عن مواعيد ثابتة ومحددة هذا غير صحيح.. نحن قلنا بعد أن تطرح المسودة ونتلقى رأي الناس ووجهات نظرهم بشأنها سوف تعود للجنة وبالتعاون مع اللجنة التشريعية والدستورية لضبطها وضبط المعايير وضبط الجهة التي تتولى تطبيق هذا القانون وآليات الطعن فيه.
* أثناء هذا الجدل ظهر على السطح اسم محمود جبريل وقيل إنه هو المستهدف بقانون العزل. ما تفسيرك؟
- أنا قد لا أوافق كثيرا على أن محمود جبريل مستهدف شخصيا من قانون العزل، لكن ربما بسبب ظهور محمود جبريل كسياسي في أثناء ثورة 17 فبراير (شباط) والدور الذي قام به.. ويرى البعض أيضا في تقييمهم لمحمود جبريل أنه ينتمي إلى مؤسسة النظام السابق.. تولى فيها مناصب. ودائما التركيز يكون على الشخصيات البارزة ويحدث نوع من الجدل ومن التنافس، ويختلط فيها الموضوعي بالشخصي. فربما الأخ محمود جبريل كان ضحية هذا البروز والظهور كرئيس للمكتب التنفيذي وعلى علاقة سابقة بالنظام. فتم بطريقة أو بأخرى تسليط الأضواء على محمود جبريل كمستهدف من قانون العزل. وإذا كان هذا الأمر صحيحا فهو خطأ كبير، لأنه أن يستهدف شخص لمجرد الاستهداف فهذا شيء ينشأ عنه خلل كبير ويصبح نوعا من تصفية الحسابات ونوعا من الصراعات السياسية وهي لا تصلح لوضع قانون مثل هذا. هذا قانون يهدف إلى تنقية وتصفية الجسم الإداري والاقتصادي ممن أفسدوا وممن ارتكبوا أفعالا وليس من الجميع.. حتى المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية تقوم على الفعل. لا بد من فعل، ولا تستطيع أن تعمم، وإلا سيكون نوعا من أنواع الاجتثاث، ونحن رأينا ماذا فعل مبدأ الاجتثاث في العراق، وكيف خسر البلد قدرات وخبرات، وأدخلها أيضا في صراعات. نحن ننشد الاستقرار وبناء الدولة ومع ذلك نصر على أن تكون هذه الدولة الجديدة خالية من الأمراض المزمنة التي عانت منها الدولة الليبية في النظام السابق.
* ومتى سيصدر الدستور الليبي الجديد؟
- الواقع هذا يرجعنا إلى مواضيع مهمة يجب أن نتطرق إليها. الإعلان الدستوري حينما وضع في مطلع أغسطس (آب) 2011، وضع في ظروف لم تراع الواقع كثيرا.. كانت كل الأنظار وكل الجهود وقتها مشدودة ومتوحدة لإسقاط النظام السابق والانتهاء من تلك المرحلة.. وجاء الإعلان الدستوري مفارقا للواقع كثيرا بمعني أنه كان مهما في تلك المرحلة، كوثيقة دستورية سياسية، حتى يكسب المجلس الوطني الانتقالي الاعتراف كجسم وكعنوان سياسي لدعم تلك المعركة مع النظام السابق. وبعد انجلاء غبار المعركة وانتهاء النظام وجدنا أمامنا إعلانا دستوريا كما قلت مفارقا للواقع. من حيث المدد التي نص عليها. كانت مدد شبه مستحيل أن تطبق.
* مثل ماذا؟
- على سبيل المثال نص الإعلان الدستوري على أن المؤتمر ينتخب رئيس للمؤتمر ونائبيه من اليوم الأول وفي الجلسة الأولى، ثم نص على تشكيل الحكومة والمناصب السيادية في الدولة، خلال شهر من بدء جلسات المؤتمر. هذه المدد اصطدمت بالواقع. هذا الأمر اضطرنا لأن نجعل الجلسة الأولى للمؤتمر الوطني تظل في حالة انعقاد ليوم آخر، كنوع من التحايل، ولم نرفع الجلسة الأولى إلا بعد انتخاب الرئيس والوكيلين. وهذا دليل على أن الإعلان الدستوري تسبب في مثل هذه المشكلات. ثم بعد ذلك جاء في مدد تشكيل لجنة الستين لإعداد الدستور، ثم عدل عنها وجعلها بالانتخاب. والآن أمامنا معضلة.. وهي أنه من المفترض وفقا للإعلان الدستوري أن تصدر لجنة الستين الدستور بعد 120 يوما من أول جلسة لانعقادها.
* وما المشكلة وراء هذا؟
- أقول لك.. أنا عائد توا من جنوب أفريقيا والتقيت بنائب رئيس المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا. وتبادلنا الرأي، خصوصا وأنهم أصحاب تجربة كبيرة ونحن نريد الاطلاع عليها. فلما ذكرت له أن إصدار الدستور محدد له أن يكون بعد 120 يوما بعد أول جلسة للجنة إعداد الدستور، استغرب جدا.. وقال لي لا يمكن وأن الأمر استغرق لديهم 4 سنوات من أجل إصدار دستور مؤقت، ثم سنتين لإصدار الدستور الدائم. لكن نحن الآن في ليبيا ملزمون بالإعلان الدستوري الذي وضعه المجلس الانتقالي في 2011. نحن وقعنا في مأزق المدد كما أن الناس عندنا لديهم حالة استعجال.
وأضاف أن رموز النظام السابق مطلوبون للعدالة للتحقيق معهم في التهم المنسوبة إليهم بارتكاب وقائع فساد وجرائم جنائية في عهد النظام السابق، وعلى رأسهم أحمد قذاف الدم، ابن عم القذافي والمحتجز في مصر بعد القبض عليه منذ نحو عشرة أيام، وكان يعمل منسقا سابقا للعلاقات المصرية الليبية، ومبعوثا شخصيا للعقيد الراحل.
وكان عتيقة في طريقه من دولة جنوب أفريقيا عائدا إلى بلاده عبر القاهرة. وشدد على أن ليبيا الجديدة يهمها تطبيق العدالة دون مساع لانتقامات أو تصفية حسابات. قائلا: «ليس بيننا وبين قذاف الدم أو غيره أي شيء شخصي.. نحن نطلبه وغيره لأنهم ارتكبوا أفعالا إجرامية في حق الشعب الليبي، ونريد محاكمتهم محاكمة عادلة». وقال: إن «علاقة ليبيا بمصر الآن فوق أي صفقات». وتحدث عتيقة الذي استهدفه نظام القذافي لسنوات بالمطاردة والسجن، عن الجدل الدائر في ليبيا بشأن قانون العزل السياسي وعلاقة ذلك بمحمود جبريل رئيس تحالف القوى الوطنية الليبي، مشيرا إلى أنه من الخطأ تكرار تجربة «اجتثاث البعث» في العراق. كما تطرق إلى الإجراءات المتوقعة في ما يخص المساعي لإنجاز الدستور الجديد للبلاد.
وإلى أهم ما جاء في الحوار.
* هل وجودك في مصر له علاقة بملف ملاحقة قيادات النظام السابق، وعلى رأسهم قذاف الدم؟
- في الحقيقة لا أستطيع أن أنفي أن له علاقة لأن هذا الملف مهم بالنسبة للشعب الليبي، لأن هذا مطلب من المطالب العادلة ولا أحد يستطيع أن يشكك فيها أو يزايد عليها. ولكن أنا كنت في جنوب أفريقيا لحضور مؤتمر البريكس كممثلين لاتحاد المغرب العربي لأن ليبيا حاليا ترأس الدورة، ورجعت إلى القاهرة.. لست بعيدا عن هذا الموضوع، لأنه يهمنا، ويهمنا أن تطبق العدالة. نحن لا نسعى لانتقامات، ولا تصفية حساب، وليس بيننا وبين قذاف الدم أو غيره أي شيء شخصي.. نحن نطلبه وغيره لأنهم ارتكبوا أفعالا إجرامية في حق الشعب الليبي.. نهبوا أموالا، وارتكبوا أفعالا تدخل في باب الجرائم الجنائية.. اختطافات ومخالفات جزائية صرفة.. ونحن على ثقة بأن الشقيقة مصر التي قامت فيها ثورة، تحمل هذه المطالب وعلى رأسها مطلب المحاكمة العادلة. نحن لا نريد أكثر من المحاكمة العادلة واسترداد الحقوق ونتعهد ونتكفل بأن تكون محاكمتهم عادلة وتحت رقابة دولية وتوفر لهم فيها كل الضمانات. من كان منهم بريئا فليثبت براءته ويخرج ويعيش حياته كمواطن ليبي في وطنه، ومن ارتكب فعلا ينال جزاءه وفقا للقانون وداخل نطاق القضاء.
* هناك حديث في الإعلام المحلي بمصر عن أن ملاحقة عناصر النظام الليبي السابق لديها ترتبط بـ«صفقة مالية» تقدم ليبيا بموجبها مساعدات اقتصادية لمصر؟
- مثل هذا التفكير بوجود مؤامرة وصفقات هو من ذيول الأنظمة الاستبدادية التي كانت.. أعني أن الأنظمة السابقة كانت تتصرف في حياة الناس وفي مصائرهم في دائرة الصفقات، بين المخابرات.. بين الأجهزة، وغيرها.. لكن علاقتنا بمصر الآن فوق أي صفقات. هذه ليست مجاملة. نحن ومصر واحد وأنا أرفض حتى تعبير «مساعدة مصر»، لأن هذا واجب الأخوة نحو بعضهم. إذا أردنا أن نعبر عن الأمور بهذه الطريقة فإن مصر هي التي ساعدتنا بأكثر مما نستطيع نحن أن نساعدها حتى ولو على مدى قرن قادم.. مصر علمتنا وساعدت ليبيا في أيام الفقر. وحين ضاقت بالليبيين أرضهم في أيام الاستعمار وفي أيام الجهاد، وجدوا مصر التي احتضنتهم ورعتهم. أعتقد أن من يقوم بترويج الكلام عن «صفقة» هو الطرف الآخر.. أحمد قذاف الدم على سبيل المثال هو رجل هذه المهام بامتياز. هو يعرف الصفقات ومارسها مع النظام السابق في مصر، وتواطأ في اختطاف رموز كبيرة في ليبيا، مقابل دفع أموال ورشى.. هذا هو التفكير الذي يتحرك الآن، منه وممن هم على شاكلته، ومن يؤيدونه الآن هم نتاج لهذه العقلية. وحاولوا زعزعة الاستقرار داخل ليبيا. وما يسندهم في كل ذلك مليارات الدولارات من أموال الشعب الليبي التي نهبوها.
* وإلى أين وصل الجدل حول مشروع قانون العزل؟
- نعم.. دعني أقول في البداية إن موضوع العزل كجوهر.. وكمطلب، دائما بعد الثورات، مثل التي حدثت في ليبيا أو في باقي دول الربيع العربي، أو كما حدثت في السابق في كثير من دول العالم، فإن إحدى قواعد العدالة الانتقالية، أي الانتقال من واقع إلى واقع سياسي وإداري واقتصادي يستوجب ما يسمى بفحص المؤسسات. أي لا يجوز منطقا ولا عقلا، ومن خلال تجارب الآخرين، أن تدار هذه المؤسسات بعناصر وبأداء من كانوا سببا في فساد الأنظمة السابقة. أعتقد أن هذه النقطة محل اتفاق. لكن السؤال هو كيف يتم ذلك؟ ما هي الآلية؟ وما هو الهدف من ذلك؟ هدف العدالة الانتقالية هو الانتقال من واقع استبداد وفساد وهدر للمال العام وانحراف وتغييب لعقل المواطن، إلى واقع يحقق فعلا كل الأمور المستهدفة من هذه الثورات أو من هذا التغيير. السؤال الكبير الذي يواجهنا وواجهته أغلب ثورات الربيع العربي هو كيف يتم ذلك؟ طبعا حدث جدل كبير في هذا. كثير من الشباب ومن القوى المطالبة بالعزل، حتى بالشكل الراديكالي، هم في الحقيقة يعبرون عن هذا المطلب كما عرضته توا، لكن قصور الوعي أحيانا وعدم إدراك النتائج وعدم إدراك حتى ربما التداعيات أو السلبيات التي قد تنشأ عن عدم وجود آلية صحية ومنضبطة وموضوعية ولا تظلم أحدا وتستفيد من القدرات والكفاءات.. (هذا الأمر) خلق نوعا من المطالب الحادة التي ترى في هذا العزل السياسي عبارة عن شعار هي لا تذهب أبعد من ذلك، ولكن هي لا تريد الوجوه الأولى أن تستمر في إدارة الواقع الجديد.
* هل هذه الجهات من داخل المؤتمر الوطني أم من خارجه؟
- هذه الجهات تعبر عن وجهات نظر.. تختلف.. ربما من داخل المؤتمر من يرى ذلك. هناك من خارج المؤتمر، بعض الشباب وبعض القوى.. ما أقصده هو أنهم يتفقون جميعا على أنه لا بد من عمل شيء لتطهير الإدارة والسير بها إلى الأمام. لكن ما ينقصهم هو الوعي بما قد يترتب على التطبيق الخاطئ من نتائج سلبية.
* يفترض أنه كان هناك موعد لنظر مشروع قانون العزل في المؤتمر الوطني، لكن قيل إنه تم تأجيله، فلماذا تم تأجيله؟ ومتى يمكن أن يطرح للمناقشة؟
- في واقع الأمر، وأنا أقول لك ما حدث داخل المؤتمر الوطني. لم يتم تحديد موعد نهائي، ولكن تم تشكيل لجنة لوضع مسودة أولية، مقترح أولي للتوافق.. ربما حدث بعض الجدل بين الكيانات السياسية وبعض الكتل.. أو ما أستطيع أن أسميه المناكفات فيما بينها. وقدموا مسودة لا تصلح أن تكون حتى مسودة أولية كمشروع قانون.. ولكن لم يحدد موعد للمناقشة في المؤتمر الوطني، ولكن قدمت لكي يناقشها الشارع ويبدي فيها الناس رأيهم. وهذا ما حصل.. البعض انتقدها بشدة والبعض في المقابل قالوا نريدها كما هي.. هناك جدل في هذا الإطار. لكن ما نقل عن مواعيد ثابتة ومحددة هذا غير صحيح.. نحن قلنا بعد أن تطرح المسودة ونتلقى رأي الناس ووجهات نظرهم بشأنها سوف تعود للجنة وبالتعاون مع اللجنة التشريعية والدستورية لضبطها وضبط المعايير وضبط الجهة التي تتولى تطبيق هذا القانون وآليات الطعن فيه.
* أثناء هذا الجدل ظهر على السطح اسم محمود جبريل وقيل إنه هو المستهدف بقانون العزل. ما تفسيرك؟
- أنا قد لا أوافق كثيرا على أن محمود جبريل مستهدف شخصيا من قانون العزل، لكن ربما بسبب ظهور محمود جبريل كسياسي في أثناء ثورة 17 فبراير (شباط) والدور الذي قام به.. ويرى البعض أيضا في تقييمهم لمحمود جبريل أنه ينتمي إلى مؤسسة النظام السابق.. تولى فيها مناصب. ودائما التركيز يكون على الشخصيات البارزة ويحدث نوع من الجدل ومن التنافس، ويختلط فيها الموضوعي بالشخصي. فربما الأخ محمود جبريل كان ضحية هذا البروز والظهور كرئيس للمكتب التنفيذي وعلى علاقة سابقة بالنظام. فتم بطريقة أو بأخرى تسليط الأضواء على محمود جبريل كمستهدف من قانون العزل. وإذا كان هذا الأمر صحيحا فهو خطأ كبير، لأنه أن يستهدف شخص لمجرد الاستهداف فهذا شيء ينشأ عنه خلل كبير ويصبح نوعا من تصفية الحسابات ونوعا من الصراعات السياسية وهي لا تصلح لوضع قانون مثل هذا. هذا قانون يهدف إلى تنقية وتصفية الجسم الإداري والاقتصادي ممن أفسدوا وممن ارتكبوا أفعالا وليس من الجميع.. حتى المسؤولية الجنائية والمسؤولية المدنية تقوم على الفعل. لا بد من فعل، ولا تستطيع أن تعمم، وإلا سيكون نوعا من أنواع الاجتثاث، ونحن رأينا ماذا فعل مبدأ الاجتثاث في العراق، وكيف خسر البلد قدرات وخبرات، وأدخلها أيضا في صراعات. نحن ننشد الاستقرار وبناء الدولة ومع ذلك نصر على أن تكون هذه الدولة الجديدة خالية من الأمراض المزمنة التي عانت منها الدولة الليبية في النظام السابق.
* ومتى سيصدر الدستور الليبي الجديد؟
- الواقع هذا يرجعنا إلى مواضيع مهمة يجب أن نتطرق إليها. الإعلان الدستوري حينما وضع في مطلع أغسطس (آب) 2011، وضع في ظروف لم تراع الواقع كثيرا.. كانت كل الأنظار وكل الجهود وقتها مشدودة ومتوحدة لإسقاط النظام السابق والانتهاء من تلك المرحلة.. وجاء الإعلان الدستوري مفارقا للواقع كثيرا بمعني أنه كان مهما في تلك المرحلة، كوثيقة دستورية سياسية، حتى يكسب المجلس الوطني الانتقالي الاعتراف كجسم وكعنوان سياسي لدعم تلك المعركة مع النظام السابق. وبعد انجلاء غبار المعركة وانتهاء النظام وجدنا أمامنا إعلانا دستوريا كما قلت مفارقا للواقع. من حيث المدد التي نص عليها. كانت مدد شبه مستحيل أن تطبق.
* مثل ماذا؟
- على سبيل المثال نص الإعلان الدستوري على أن المؤتمر ينتخب رئيس للمؤتمر ونائبيه من اليوم الأول وفي الجلسة الأولى، ثم نص على تشكيل الحكومة والمناصب السيادية في الدولة، خلال شهر من بدء جلسات المؤتمر. هذه المدد اصطدمت بالواقع. هذا الأمر اضطرنا لأن نجعل الجلسة الأولى للمؤتمر الوطني تظل في حالة انعقاد ليوم آخر، كنوع من التحايل، ولم نرفع الجلسة الأولى إلا بعد انتخاب الرئيس والوكيلين. وهذا دليل على أن الإعلان الدستوري تسبب في مثل هذه المشكلات. ثم بعد ذلك جاء في مدد تشكيل لجنة الستين لإعداد الدستور، ثم عدل عنها وجعلها بالانتخاب. والآن أمامنا معضلة.. وهي أنه من المفترض وفقا للإعلان الدستوري أن تصدر لجنة الستين الدستور بعد 120 يوما من أول جلسة لانعقادها.
* وما المشكلة وراء هذا؟
- أقول لك.. أنا عائد توا من جنوب أفريقيا والتقيت بنائب رئيس المؤتمر الوطني في جنوب أفريقيا. وتبادلنا الرأي، خصوصا وأنهم أصحاب تجربة كبيرة ونحن نريد الاطلاع عليها. فلما ذكرت له أن إصدار الدستور محدد له أن يكون بعد 120 يوما بعد أول جلسة للجنة إعداد الدستور، استغرب جدا.. وقال لي لا يمكن وأن الأمر استغرق لديهم 4 سنوات من أجل إصدار دستور مؤقت، ثم سنتين لإصدار الدستور الدائم. لكن نحن الآن في ليبيا ملزمون بالإعلان الدستوري الذي وضعه المجلس الانتقالي في 2011. نحن وقعنا في مأزق المدد كما أن الناس عندنا لديهم حالة استعجال.
اخبار ليبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق