باريس:
بعد سنتين من الخلافات والتردد والتصريحات التي لا طائل منها وبعد ان تحولت
حركة الاحتجاج السلمية في سوريا الى حرب اهلية دامية، بدأت تصدر عن الدول
الكبرى بادرات تنم عن اهتمامها بلعب دور اكبر في النزاع، ولكنها تأخرت
كثيرا، كما يرى محللون.
ويجمع كل العائدين من سوريا على الحديث عن "تصعيد رهيب" للعنف، بعد
ان بلغت حصيلة القتلى اكثر من سبعين الفا، مع وضع انساني كارثي. وفي
الخارج، اكثر من مليون لاجىء وخطر زعزعة اقليمية كبرى.
وامام هذه الكارثة، بقيت الدبلوماسية الدولية عاجزة وغارقة في انشقاقاتها.
واعتبر كريستوفر فيليبس من جامعة لندن ان داعمي الرئيس السوري بشار
الاسد --الروس والايرانيون والصينيون-- وداعمي المعارضة السورية --من دول
غربية وعربية متفرقة-- "غير مهتمين فعليا بالسلام. انهم يريدون التاكد من
ان ايا كان من سيصل الى السلطة في سوريا سيكون الى جانبهم".
لكن الحرب لا تزال مشتعلة، ولا يبدو ان اي طرف من المتحاربين قادر على تحقيق نصر حاسم على المديين القصير او المتوسط.
وامام هذا الواقع، راى الباحث اللبناني جوزف باحوط ان الدول الداعمة للمعارضة "ربما بدات تستفيق".
انها "استفاقة" تتبدى في زيادة المساعدات المقدمة الى المعارضة المسلحة،
ويمكن اعتبارها، في قراءة ما بين السطور، بمثابة مقدمة لتقديم شحنات اسلحة
اعلنت الدول الغربية حتى الان رفضها تقديمها خشية ان تقع بين ايدي متشددين
اسلاميين.
واوضح مصدر دبلوماسي فرنسي "لقد ادركنا جميعا انه لا يمكن ان يكون هناك حل سياسي من دون تعديل ميزان القوى على الارض".
واضاف هذا المصدر "لا توجد سوى طريقة واحدة للتحرك: تعديل ميزان القوى
هذا لصالح المعارضة سياسيا وعسكريا في الوقت نفسه. لانه، نعم ينبغي ان تشعر
دمشق بالخوف. ونعم، ينبغي ان تفهم موسكو ان الوقت حان لتغيير موقفها"
والتخلي عن الاسد.
لكن المحلل الكسي مالاتشنكو من مركز كارنيجي للابحاث في موسكو، اعتبر
انه "كلما طالت الحرب، كلما كان من الصعب على روسيا التخلي عن الاسد".
يبقى ان تغيير اللهجة ممكن وخصوصا لدى الطرف الاميركي.
وباعلانه اخيرا تقديم مساعدة مباشرة (لكن غير قاتلة) للمرة الاولى الى
المعارضة، وبموافقته الضمنية على شحنات اسلحة سبق وقامت بها دول الخليج،
وباعلانه ان "دولا عدة" تدرب المسلحين المعارضين، جعل وزير الخارجية
الاميركي جون كيري من موضوع كان يبحث حتى الان في الكواليس، شأنا علنيا.
من جهتها، خطت لندن خطوة باعلانها الرغبة في زيادة مساعداتها للمسلحين
المعارضين، وخصوصا تزويدهم آليات مدرعة وسترات واقية من الرصاص.
واقر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بان "فرص تحقيق تقدم سريع على الصعيد الدبلوماسي ضعيفة".
وياتي هذا الاعلان بعد بضعة ايام من مصادقة الاتحاد الاوروبي على
استثناءات للحظر المفروض على ارسال اسلحة الى سوريا، وسمح خصوصا بتزويد
المعارضة بتجهيزات غير قاتلة وبمساعدة تقنية.
وبين دول الاتحاد الاوروبي ال27، فان لندن وباريس وروما هي التي تدفع
اكثر باتجاه لعب دور اكبر بحسب مصدر دبلوماسي اوروبي، لكن اي تخفيف للحظر
يتطلب اجماعا.
واعلن سلمان شيخ مدير مركز بروكينغز في الدوحة "اننا نتجه ربما الى ذلك
(تسليم شحنات الاسلحة)، لكنها مسالة عدة اشهر، وهذا وقت طويل جدا بالنظر
الى الوضع الميداني".
واكد باحوط ان "الامور تتحرك، لكني اخشى ان نقترب من لحظة يكون فيها قد
فات الاوان"، ورسم صورة سوداء للحالة بقوله "حالة مزرية، دولة تنهار، مجتمع
ممزق، مجموعات مسلحة لا يمكن السيطرة عليها، بيئة اقليمية منقسمة".
وحذر قائلا "في غضون بضعة اسابيع، سيكون قد فات الاوان، فالعنف ينهش كل شيء".
إيلاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق