الشرق الاوسط/ طرابلس - عبد الستار حتيتة/
واصلت صحيفة «الشرق الأوسط» نشر وثائق تخص مخابرات العقيد الراحل معمر
القذافي، بعد أن صادرتها كتيبة من كتائب طرابلس العسكرية في أعقاب اقتحام
مقر حكم النظام الليبي السابق في «باب العزيزية» صيف 2011.
وتعكس مجموعة من صور الوثائق الجديدة فشل استخبارات القذافي في السيطرة على مقاليد الأمور في جبهة حرب الحوثيين على الحدود السعودية الجنوبية، وقيام مجموعة من القبائل اليمنية بالتصدي لمخططات النظام الليبي السابق، من خلال عقد تلك القبائل مؤتمرات ولقاءات للمصالحة من أجل إعادة الاستقرار لليمن بدلا من الحرب المستعرة التي تقول المستندات إن عملاء القذافي في اليمن كانوا يعملون على تغذيتها بكل السبل.
وتبين عدة مراسلات بين عملاء القذافي ومخابراته تأثير النفوذ الذي كان سيف الإسلام القذافي قد بدأ يحظى به في ليبيا، على وتيرة عمل فروع رئيسية سرية تابعة للأمن الخارجي الليبي، حيث تظهر بعض الرسائل بطئا ليبيا في الرد على مطالب العملاء، وتشتت بعض المتعاونين الآخرين، إضافة إلى ابتعاد آخرين، في نهاية المطاف عن الاستمرار في العمل مع الشبكة الليبية.
وتوضح المستندات أن بعض عملاء العقيد الراحل، بعد أن استشعروا الضعف وقلة الحيلة على الحدود السعودية الجنوبية، دبروا عملية اختطاف مدير المستشفى السعودي في صعدة، وإلقاء مسؤولية الخطف على إحدى القبائل في شمال اليمن لتفجير الخلافات بين بعض القبائل اليمنية في منطقة الجوف، وذلك بعد أن شرعت عدة قبائل في الدعوة إلى الحوار والمصالحة ونبذ العنف بالفعل.
استمر تبادل الكثير من الرسائل بين عملاء العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ووحدة المعلومات السرية التابعة له، لكن لوحظ في الرسائل الإلكترونية أن عناوين البريد كثيرا ما تتغير، وأن السمة العامة التي اتسمت بها عشرات الرسائل تكمن في تعديل لغتها بمرور الوقت لتتحول إلى رموز غير مفهومة، وبدلا من استمرار تدفق المكاتبات التي تدور عن عمليات تمويل، وأوامر تحريك خلايا نائمة في عدة دول، تجدها فجأة تتحدث عن إجراءات إنهاء مسلسل تلفزيوني ما، لكنها لا تذكر من هم أبطال المسلسل المزعوم أو الإجراءات الخاصة به، غير أشياء محددة من قبيل «تحدثنا مع عبد الله وهو جاهز لأداء الدور»، و«لا بد من زيادة أجرة البطل»، و«نحتاج لإعادة النظر في التمويل، لأن المخصص لا يكفي لكل الخطوات المطلوبة».
من خلال صور من الرسائل التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» تجد أن أهم المتلقين لها هو بريد إلكتروني يسمي نفسه «ديسكفر» discover1991) ، وهو بريد إلكتروني تقول مصادر الاستخبارات الليبية السابقة، إنه خاص برجل يدعى «ع. م»، (عقيد هارب خارج ليبيا حاليا، تمت الإشارة لاسمه في الحلقة السابقة)، وكان يعمل تحت إمرة القذافي مباشرة، وله مكتب مجاور لمكتبه في مقر الحكم في باب العزيزية بطرابلس، أما تنقلات هذا الرجل وتحركاته فكانت تدور تحت ستار النشاط الإعلامي، وفي الفترة الممتدة من عام 2002 حتى الأيام الأخيرة من حكم العقيد الراحل الذي بدأ ينهار مع انطلاق الانتفاضة المسلحة في 17 فبراير (شباط) 2011. يمكن أن تجد اسم هذا الرجل مقترنا بالكثير من مشروعات تأسيس وإطلاق قنوات تلفزيونية ليبية، لكن يبدو أنه لا وجود لها في الحقيقة.
ومن خلال المراسلات، فإن «ديسكفر» كان يستخدم أكثر منبريد إلكتروني، ووفقا للمعلومات وصور الوثائق فإن وحدة معلومات خاصة (داخل وحدة المعلومات السرية لكنها لا تأتمر بإمرة رئيسها)، كانت ترتب هذه العملية التي كانت تجرى، سواء كان «ديسكفر» موجودا في طرابلس أم خارجها، كما أن وحدة المعلومات كانت تقوم بعرض ما يصل إليها أولا بأول على كبار القيادات الليبية وعلى رأسهم القذافي.
ويوجد أكثر من رجل وامرأة كانوا يشرفون على الاتصالات السرية بين نظام القذافي والعملاء المبعثرين في عدة دول في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وحتى أميركا، من بينهم رجل يدعى «ع.ع.ق» (من أقارب القذافي وتمت الإشارة لاسمه في الحلقة السابقة)»، وامرأة تدعى «ر.ف»، وكانت لبعضهم علاقات خاصة ومكانة مميزة مع كبار رجال الدولة مثل عبد الله السنوسي الذي يوصف بأنه أهم «صندوق» لأسرار القذافي، ومع أنجال العقيد الراحل أيضا.
وفي السنوات الأخيرة من حكم القذافي، أي بداية من عام 2007 بدأت العلاقات تتداخل مع مجموعة سيف الإسلام القذافي، بل إن بعض صور الوثائق تشير إلى حالة الارتباك بين عدد من متلقي الاتصالات مع عملاء الخارج في وحدة المعلومات، مما تسبب في حالة من الخوف والذعر أيضا بين عدد من العملاء في الخارج، خاصة في اليمن ومصر ولبنان ودول أفريقية، وحتى سقوط النظام في أواخر 2011.
ويبدو أن المراسلات غير مرتبة، لكن كان هناك من يحاول أن يجعل بعضها مخصصا للعمليات في أفريقيا، وآخر مخصصا للعملاء في اليمن، وثالثا يتلقى تقارير عن أنشطة عملاء يواصلون محاولات فاشلة لتنفيذ عمليات تخريبية في السعودية. وتعكس المعلومات الخاصة التنقلات الكثيرة لبعض العملاء وتشعب اتصالاتهم وأماكن وجودهم والمعلومات التي يبلغون عنها.
في رسالة إلى «ديسكفر»، وهو الشخص الرئيسي الذي يتلقى مراسلات الكثير من العملاء، يقول مرسلها، واسمه الأول «عبد الكريم»، ويبدو أنه من لبنان أو سوريا، بسبب كلمة «بدي» الموجودة في متن الرسالة: «تحياتي يا صديقي.. لقد أنهيت الاجتماعات بخصوص إنتاج المسلسل، وطلبوا مني أيضاحات عن أدوار الشخصيات فيه، خاصة دور البطل. سوف نبحث الموضوع خلال اجتماع بيننا قريبا يتم تحديده من طرفكم. كنت بدي أعرف ماذا تم بشأن المستحقات؟ أرجو إعلامي. مع خالص شكري، وإلى اللقاء».
ولا يوجد تاريخ يحدد توقيت هذه الرسالة التي تم الحصول على صورة منها، وتحمل عنوانا بالإنجليزية هو «from»، ولكن يوجد بعد هذه الرسالة رسائل تليها في الترتيب مباشرة ومأخوذة من نفس البريد الإلكتروني في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2010. ولهذا من المرجح أن يكون تاريخ الرسالة الأولى قريبا من هذا التوقيت، لكن من غير المعروف ما هو المسلسل المقصود هنا، وهل يتعلق ببعض العملاء الذين بدأوا في الهروب من العمل مع مخابرات القذافي، خاصة بعد فشل الحرب السادسة في اليمن كما سيتضح فيما بعد.
من الرسائل التي وردت في خريف عام 2010، رسالة مؤرخة في يوم 29 نوفمبر، تحت عنوان «monday» ومرسلها يلقب نفسه «ذا أونلي» (the only) ، ويبدو أنها، ورسائل كثيرة أخرى قادمة من اليمن، تعكس فشل مخابرات القذافي في الاستمرار في كسب ود عدد من أبناء القبائل اليمنية الكبرى، أثناء محاولات النظام الليبي السابق استخدامها ضد السعودية.
وبدا من صورة رسالة «monday» وصور رسائل أخرى سيرد ذكرها في موضعها، أن مخابرات القذافي كانت قد وصلت إلى الذروة في محاولاتها المستميتة لزعزعة الاستقرار في السعودية، وبدأ عملاء القذافي في اليمن يخسرون الأرض من خلال عدم القدرة على تجنيد أبناء القبائل الكبرى بعد الفشل في مهمة شن حرب على السعودية على أيدي بعض القبائل في شمال اليمن، وبالتحديد في صعدة.
قبل الدخول في مضمون رسالة «monday»، لا بد من الإشارة إلى أن «الشرق الأوسط» أمضت قرابة سنة كاملة من أجل التحقق من مضمون ما ورد في صور الرسائل والمكاتبات التي حصلت عليها. والتقت لهذا الغرض مع اثنين من الشخصيات المهمة في السلك الأمني والسياسي والدبلوماسي الليبي ممن عملوا عن قرب مع العقيد الراحل القذافي.
الشخص الأول كان يعمل في وحدة المعلومات السرية التابعة للقذافي. وفر في شهر مايو (أيار) 2011 من ليبيا، أي عقب نحو شهرين من بدء ثورة 17 فبراير، بعد أن تجمعت تحت يديه حينذاك معلومات تقول إن نظام العقيد منتهٍ لا محالة. ترك كل شيء، زوجته وأبناءه وسيارته الـ«بي إم دبليو»، وتسلل عبر الحدود المصرية - الليبية من دون مال ولا وثائق ولا ملابس إضافية. دخل مدينة مرسى مطروح المجاورة بقميص وبنطال فقط ولا شيء آخر. وبعد يوم تمكن من الوصول إلى صديق قديم في مدينة الضبعة التي تبعد نحو 400 كيلومتر غرب القاهرة. ومن هناك بدأ يجري اتصالاته لينتهي به المطاف في إحدى العواصم المطلة على الخليج.
تم تحديد اللقاء معه بصعوبة بالغة، وجرى اللقاء في شهر يناير (كانون الثاني) 2012. يقول: هل تريد أن تعرف لماذا لم تتحمس بعض الدول الخليجية الرئيسية لمناصرة المجلس الانتقالي الليبي (السابق)؟ ويجيب: لأنها كانت على علم بأن هناك أعضاء في المجلس كانوا يقومون بأنفسهم بالتخطيط لعمليات تخريبية في السعودية أثناء حكم القذافي.
وفي يناير الماضي طرحت «الشرق الأوسط» جانبا مما توصلت إليه من معلومات على أحد كبار مساعدي القذافي، خاصة في جانب يتعلق بعمليات تنصت غربية على كبار المسؤولين الليبيين، من عدة مراكز على الحدود الليبية، وردت في صور الوثائق المشار إليها، فقال بعد إجراء مقابلة غير مسجلة معه في إحدى العواصم الأفريقية، إن «هذه المعلومات صحيحة، والقذافي أجرى اتصالات وعاتب أحد رؤساء دول الجوار فأخبره أن مراكز التنصت تلك موروثة منذ الرئيس السابق، ولا يمكنه التخلص منها». وسترد تفاصيل قضية التنصت هذه فيما بعد.
ويوجد ما هو أخطر من كل ما سبق، خاصة أن بعض صور المراسلات تكشف عن قيام عضو سابق في المجلس الانتقالي يدعى «م.ك» كان حتى الأيام التي سبقت شهر فبراير 2011 يزرع الخلايا التخريبية في السعودية التي كان يدخلها بين حين وآخر تحت ستار الحج والعمرة، ويقدم نفسه للجاليات الأفريقية في مكة والمدينة والرياض تحت ستار «رجل أعمال لديه مشروعات في أفريقيا».
ويقول مسؤول كبير في وزارة الدفاع الليبية الحالية يدعى «العقيد عادل.م.ب». ممن عملوا في السابق في جهاز استخبارات النظام السابق قبل أن ينشق عنه، إن الأيام الأخيرة من حكم القذافي كان يسود فيها شعور عام داخل جهاز الاستخبارات بأنه، أي الجهاز، يتلقى ضربات متتالية وقوية من جانب السعودية، بسبب قيام القذافي بتمويل أنشطة متعددة ضد المملكة عبر عملاء له في اليمن ومصر والعراق ومن تنظيم القاعدة ومن كل فرصة يجدها أمامه.
ويذكر الرجل أن العمليات التي كان القذافي ينفق عليها ملايين الدولارات كانت تستمر قليلا وتفشل قبل أن تصل لغايتها.. «أكبر فشل كان على جبهة الحدود السعودية الجنوبية.. طبعا كان هناك تخطيط على الجبهة الشمالية، خاصة في ظل الأوضاع المتردية في العراق، وكانت هناك عمليات تمويل لوجهاء وصحافيين من مصر، لكن مسألة الهزيمة على جبهة صعدة، رغم كل ما قدمه النظام الليبي السابق من أموال وأسلحة، جعلت مخابرات القذافي تبحث عن بدائل».
وتبين خلال رحلة جمع صور الوثائق والمعلومات والتحقق منها، وبالتحديد في شهر سبتمبر (أيلول) 2012، أنه كانت هناك بالفعل محاولات مستميتة من جانب القذافي لزرع الفتن في السعودية، سواء من جبهة اليمن جنوبا أو غيرها، بما في ذلك تمويل عرب يقيمون في أوروبا.
ونعود مرة أخرى للرسالة المعنونة بـ«monday»، الواردة من العميل الملقب «the only» على البريد الإلكتروني لـ«ديسكفر» يوم 29 نوفمبر 2010، وتتحدث عن تغييرات جوهرية في الولاءات التي كان يقدمها بعض القائمين على الحرب ضد الحكومة اليمنية وضد الحدود السعودية الجنوبية.. تغير الولاءات بدا في هذه الرسالة بمثابة فشل لما كانت تقوم به مخابرات القذافي.
تقول الرسالة: «بسم الله الرحمن الرحيم. الحوثيون اكتشفوا مؤخرا أن الشيخ (س. س. أ. ل) يتعامل مع حزب الله في لبنان منذ أربع سنوات باسم أنه ممثل للحوثيين دون علمهم ويأخذ ويعطي مع رجال الحزب تحت هذا الاسم، وينقل الأخبار أولا بأول إلى السعودية وصنعاء، وقد اندهش الجميع من هذا الأسلوب».
ومن المعروف أن حزب الله له علاقة قوية مع إيران، ومن المعروف أيضا أن إيران متهمة بمحاولة زعزعة منطقة الحدود اليمنية - السعودية عن طريق الحوثيين الذين يعتنقون مذهبا شيعيا مواليا لمذهب ملالي طهران.
ومما يرد في الرسالة بعد ذلك، يشير إلى أن هذا الشيخ الذي يبدو أنه كان يريد فهم الدور الإيراني في اليمن من خلال أصدقاء إيران في حزب الله، كان يتعامل أساسا مع الليبيين قبل أن يبدأ في الابتعاد عنهم، مع أشخاص آخرين سترد تفاصيل عنهم فيما بعد.. ليس الابتعاد عن المخابرات الليبية فقط، ولكن أيضا تغيير بوصلة توجهاته وتوجهات شيوخ آخرين لصالح محاولات فرض الاستقرار في اليمن، خاصة مع تزايد أنشطة الحوثيين العسكرية ضد كل من الحكومة اليمنية والحدود السعودية.
وتظهر في الرسالة محاولات عميل مخابرات القذافي التقليل من شأن النشاط المتزايد لقبيلة «بكيل»، وهي من أكبر القبائل اليمنية التي قررت وقتها الانحياز للدستور والقانون ووحدة الدولة اليمنية، خاصة بعد نجاح المؤتمر الذي عقدته القبيلة برئاسة «الشيخ أمين.ع». يوم الأحد 7 نوفمبر 2010، بمحافظة الجوف وبحضور الآلاف من أبناء القبيلة بناء على اقتراح من «الشيخ س. أ. لحوم».
الهدف من المؤتمر كان توحيد «بكيل» على كلمة واحدة لتحقيق الاستقرار في اليمن الذي كان يشهد وقتها حرب الحوثيين في الشمال، ومناوشات تنظيم القاعدة في الجنوب.
ويعني استقرار اليمن الذي تسعى إليه قبيلة «بكيل» استقرار جيرانه وعلى رأسهم السعودية. لكن العميل الليبي الذي يبدو من رسالته أنه حضر المؤتمر، قلل من شأن التحركات القبلية التي كانت مفاجأة بالنسبة للمتعاونين مع النظام الليبي السابق في اليمن.
وبينما دعا المؤتمر (الذي أطلق عليه عملاء القذافي اسم «مؤتمر العكيمي») أبناء قبائل بكيل واليمن إلى حل الخلافات، وفض النزاعات، وعقد صلح عام بين كافة أطراف الوطن الواحد، قالت رسالة «the only» التي تلقتها وحدة المعلومات السرية المجاورة لمكتب القذافي في طرابلس: «يوجد خلاف على المناصب في مؤتمر العكيمي ولحرصهم على عدم الفشل أخروا الاجتماع الثاني لذلك المؤتمر حتى تتم الاتفاقات على المناصب». وأضافت الرسالة أيضا تفاصيل توحي من خلالها أن السعودية ساعدت على إنجاح المؤتمر، على غير رغبة الليبيين.
ويعتبر وزن قبيلة بكيل اليمنية كبيرا، خاصة أن أبناءها موجودون في منطقة مهمة وقريبة من الصراع الدائر في الشمال. وتنتشر القبيلة أيضا بين صنعاء وصعدة. ويرد في الرسالة أيضا أن عملاء القذافي في اليمن لم يصمتوا على ما بدا أنه ضربة سعودية لمخططاتهم، فدبروا عملية لإحراج «الشيخ أمين.ع» برتبته العالية «شيخ مشايخ» وسط باقي القبائل في منطقة الجوف، من خلال تنفيذ عملية خطف مدير مستشفى السلام السعودي في صعدة، على يد مناصرين لهم من إحدى القبائل المتحالفة مع بكيل وشيخها «أمين.ع».
تقول الرسالة بالنص، إنه بعد ما حدث في مؤتمر بكيل: «صنعنا نقمة على الشيخ «أ.ع» غير عادية في قبيلة آل حمد الجوف، بسبب مقتل أولادهم في التفجير الأول الذي لا يرضاه إنسان فيه خير أو ذرة رمل من كرامة أو إنسانية.. «آل.ع «من «آل أ. ج « من قبيلة « و«خطفوا مدير مستشفى السلام السعودي في صعدة أثناء مروره من بلادهم قادما من إمارة نجران، وذلك بهدف الضغط على صنعاء لإطلاق سجين لهم في الأمن السياسي.. فعل طبيعي من دون دوافع».
وتشير الرسالة إلى توريط عملاء القذافي لقبيلة «آل ح» في العملية، وتصوير الأمر على أن لها يدا في خطف مدير المستشفى ردا على مقتل عدد من أبنائهم من قبل في التفجير المشار إليه.
ماذا حدث بعد ذلك؟ وهل بالفعل تم زرع الفتنة هناك كما أراد عملاء النظام الليبي السابق في اليمن؟ تقول الرسالة إنه بعد عملية خطف مدير المستشفى: «قامت الحكومة اليمنية بإرسال حملة عسكرية مكونة من 30 طاقما عسكريا، والربع (من هذا الطاقم عبارة عن) دبابات وطائرة هليكوبتر على «آل ع» لتسليمه».
ويبدو أن هناك شابا نشيطا داخل قبيلة «بكيل» كان يقلق مخابرات القذافي، يدعى «ح أبو.هـ»، خاصة بعد أن أسهم في جمع شمل شباب القبيلة حول الشيخ «أ.ع»، فتقول عنه الرسالة، وهي تحاول أن تطمئن الجانب الليبي وتقلل من شأن هذا الشاب: «(ح أبو.هـ) الذي يدعي أنه رئيس شباب بكيل شخص عادي، ليس شيخا، وهو مكروه من كل القبائل الشريفة».
هذه الرسالة الواردة من «the only» ليست الوحيدة التي خرجت من عملاء القذافي في اليمن في تلك الفترة التي كان فيها كل من اليمن والسعودية يكبحان جماح المتمردين الحوثيين الذين تعدوا على حدود المملكة.. هناك رسائل أخرى يظهر منها أن النظام الليبي يشعر بالفشل في خططه التي عمل عليها طويلا مع شخصيات من الحوثيين ضد السعودية من جهة حدودها الجنوبية، وكان الداخل الليبي يعاني كذلك من الشد والجذب بين رجال سيف الإسلام ورجال والده البيروقراطيين الأقوياء.
معظم الردود الليبية على الرسائل التي وردت إلى وحدة المعلومات السرية في باب العزيزية في خريف عام 2010 توحي بأن الاتصالات بين عملاء القذافي في اليمن وغير اليمن، والمسؤولين عنهم، تتأخر لدرجة أن بعض العملاء أصبحوا يشعرون بالحرج من تكرار إرسال الرسائل التي لم يعد مقر «باب العزيزية» يرد عليها.
وسبق رسالة «the only» رسالة من عميل آخر في اليمن يلقب نفسه بـ«سمران» (semran)، وتلقتها وحدة المعلومات السرية الليبية على البريد الإلكتروني الخاص بـ«descover» يوم السبت 30 أكتوبر 2010.
ويقول نص هذه الرسالة، مع تصويب الأخطاء: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخي العزيز. كيف الحال؟ المعذرة للإزعاج.. تحياتي للأستاذ.. الموضوع: كان فيه رسول من لديكم اسمه أبو سفيان أرسل معي أمانة وأعطاني رقم واسم الشخص، وعندما اتصلت بالشخص وجدت الاسم مختلفا فأوقفت التسليم حتى أتأكد منكم هل أسلم لصاحب الرقم نفسه دون التأكد من الاسم.. أرجو الإفادة لكي أبلغهم بالتسليم. هذا من جانب. الموضوع الآخر، للمواضيع الذي تفاهمت والأستاذ، أنها الآن كلها جاهزة للعمل. منتظر التوجيه».
وتختتم رسالة «semran» بالإشارة إلى استمرار نشاط نظام القذافي في محاولات إفشال التوافق بين القبائل اليمنية والحكومة، وكذا محاولات إفشال عقد الاجتماعات والمؤتمرات للم الشمل ووقف الاقتتال والحرب. وتقول الرسالة: «المؤتمر الذي أبلغت عنه عملت على فشله، ولكن قبل ثلاثة أيام قاموا بإعادة المحاولة للإعداد، ولكن بدعم قوي من الجهتين المحلية والشمالية. سوف نعمل على إضعافه وعدة مواضيع أخرى. إذا أمكن أن آتي خلال هذين اليومين، ليوم أو يومين لكي أعود للعمل للأهمية.. مع التحية».
وتعكس مجموعة من صور الوثائق الجديدة فشل استخبارات القذافي في السيطرة على مقاليد الأمور في جبهة حرب الحوثيين على الحدود السعودية الجنوبية، وقيام مجموعة من القبائل اليمنية بالتصدي لمخططات النظام الليبي السابق، من خلال عقد تلك القبائل مؤتمرات ولقاءات للمصالحة من أجل إعادة الاستقرار لليمن بدلا من الحرب المستعرة التي تقول المستندات إن عملاء القذافي في اليمن كانوا يعملون على تغذيتها بكل السبل.
وتبين عدة مراسلات بين عملاء القذافي ومخابراته تأثير النفوذ الذي كان سيف الإسلام القذافي قد بدأ يحظى به في ليبيا، على وتيرة عمل فروع رئيسية سرية تابعة للأمن الخارجي الليبي، حيث تظهر بعض الرسائل بطئا ليبيا في الرد على مطالب العملاء، وتشتت بعض المتعاونين الآخرين، إضافة إلى ابتعاد آخرين، في نهاية المطاف عن الاستمرار في العمل مع الشبكة الليبية.
وتوضح المستندات أن بعض عملاء العقيد الراحل، بعد أن استشعروا الضعف وقلة الحيلة على الحدود السعودية الجنوبية، دبروا عملية اختطاف مدير المستشفى السعودي في صعدة، وإلقاء مسؤولية الخطف على إحدى القبائل في شمال اليمن لتفجير الخلافات بين بعض القبائل اليمنية في منطقة الجوف، وذلك بعد أن شرعت عدة قبائل في الدعوة إلى الحوار والمصالحة ونبذ العنف بالفعل.
استمر تبادل الكثير من الرسائل بين عملاء العقيد الليبي الراحل معمر القذافي ووحدة المعلومات السرية التابعة له، لكن لوحظ في الرسائل الإلكترونية أن عناوين البريد كثيرا ما تتغير، وأن السمة العامة التي اتسمت بها عشرات الرسائل تكمن في تعديل لغتها بمرور الوقت لتتحول إلى رموز غير مفهومة، وبدلا من استمرار تدفق المكاتبات التي تدور عن عمليات تمويل، وأوامر تحريك خلايا نائمة في عدة دول، تجدها فجأة تتحدث عن إجراءات إنهاء مسلسل تلفزيوني ما، لكنها لا تذكر من هم أبطال المسلسل المزعوم أو الإجراءات الخاصة به، غير أشياء محددة من قبيل «تحدثنا مع عبد الله وهو جاهز لأداء الدور»، و«لا بد من زيادة أجرة البطل»، و«نحتاج لإعادة النظر في التمويل، لأن المخصص لا يكفي لكل الخطوات المطلوبة».
من خلال صور من الرسائل التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» تجد أن أهم المتلقين لها هو بريد إلكتروني يسمي نفسه «ديسكفر» discover1991) ، وهو بريد إلكتروني تقول مصادر الاستخبارات الليبية السابقة، إنه خاص برجل يدعى «ع. م»، (عقيد هارب خارج ليبيا حاليا، تمت الإشارة لاسمه في الحلقة السابقة)، وكان يعمل تحت إمرة القذافي مباشرة، وله مكتب مجاور لمكتبه في مقر الحكم في باب العزيزية بطرابلس، أما تنقلات هذا الرجل وتحركاته فكانت تدور تحت ستار النشاط الإعلامي، وفي الفترة الممتدة من عام 2002 حتى الأيام الأخيرة من حكم العقيد الراحل الذي بدأ ينهار مع انطلاق الانتفاضة المسلحة في 17 فبراير (شباط) 2011. يمكن أن تجد اسم هذا الرجل مقترنا بالكثير من مشروعات تأسيس وإطلاق قنوات تلفزيونية ليبية، لكن يبدو أنه لا وجود لها في الحقيقة.
ومن خلال المراسلات، فإن «ديسكفر» كان يستخدم أكثر منبريد إلكتروني، ووفقا للمعلومات وصور الوثائق فإن وحدة معلومات خاصة (داخل وحدة المعلومات السرية لكنها لا تأتمر بإمرة رئيسها)، كانت ترتب هذه العملية التي كانت تجرى، سواء كان «ديسكفر» موجودا في طرابلس أم خارجها، كما أن وحدة المعلومات كانت تقوم بعرض ما يصل إليها أولا بأول على كبار القيادات الليبية وعلى رأسهم القذافي.
ويوجد أكثر من رجل وامرأة كانوا يشرفون على الاتصالات السرية بين نظام القذافي والعملاء المبعثرين في عدة دول في أفريقيا وآسيا وأوروبا، وحتى أميركا، من بينهم رجل يدعى «ع.ع.ق» (من أقارب القذافي وتمت الإشارة لاسمه في الحلقة السابقة)»، وامرأة تدعى «ر.ف»، وكانت لبعضهم علاقات خاصة ومكانة مميزة مع كبار رجال الدولة مثل عبد الله السنوسي الذي يوصف بأنه أهم «صندوق» لأسرار القذافي، ومع أنجال العقيد الراحل أيضا.
وفي السنوات الأخيرة من حكم القذافي، أي بداية من عام 2007 بدأت العلاقات تتداخل مع مجموعة سيف الإسلام القذافي، بل إن بعض صور الوثائق تشير إلى حالة الارتباك بين عدد من متلقي الاتصالات مع عملاء الخارج في وحدة المعلومات، مما تسبب في حالة من الخوف والذعر أيضا بين عدد من العملاء في الخارج، خاصة في اليمن ومصر ولبنان ودول أفريقية، وحتى سقوط النظام في أواخر 2011.
ويبدو أن المراسلات غير مرتبة، لكن كان هناك من يحاول أن يجعل بعضها مخصصا للعمليات في أفريقيا، وآخر مخصصا للعملاء في اليمن، وثالثا يتلقى تقارير عن أنشطة عملاء يواصلون محاولات فاشلة لتنفيذ عمليات تخريبية في السعودية. وتعكس المعلومات الخاصة التنقلات الكثيرة لبعض العملاء وتشعب اتصالاتهم وأماكن وجودهم والمعلومات التي يبلغون عنها.
في رسالة إلى «ديسكفر»، وهو الشخص الرئيسي الذي يتلقى مراسلات الكثير من العملاء، يقول مرسلها، واسمه الأول «عبد الكريم»، ويبدو أنه من لبنان أو سوريا، بسبب كلمة «بدي» الموجودة في متن الرسالة: «تحياتي يا صديقي.. لقد أنهيت الاجتماعات بخصوص إنتاج المسلسل، وطلبوا مني أيضاحات عن أدوار الشخصيات فيه، خاصة دور البطل. سوف نبحث الموضوع خلال اجتماع بيننا قريبا يتم تحديده من طرفكم. كنت بدي أعرف ماذا تم بشأن المستحقات؟ أرجو إعلامي. مع خالص شكري، وإلى اللقاء».
ولا يوجد تاريخ يحدد توقيت هذه الرسالة التي تم الحصول على صورة منها، وتحمل عنوانا بالإنجليزية هو «from»، ولكن يوجد بعد هذه الرسالة رسائل تليها في الترتيب مباشرة ومأخوذة من نفس البريد الإلكتروني في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2010. ولهذا من المرجح أن يكون تاريخ الرسالة الأولى قريبا من هذا التوقيت، لكن من غير المعروف ما هو المسلسل المقصود هنا، وهل يتعلق ببعض العملاء الذين بدأوا في الهروب من العمل مع مخابرات القذافي، خاصة بعد فشل الحرب السادسة في اليمن كما سيتضح فيما بعد.
من الرسائل التي وردت في خريف عام 2010، رسالة مؤرخة في يوم 29 نوفمبر، تحت عنوان «monday» ومرسلها يلقب نفسه «ذا أونلي» (the only) ، ويبدو أنها، ورسائل كثيرة أخرى قادمة من اليمن، تعكس فشل مخابرات القذافي في الاستمرار في كسب ود عدد من أبناء القبائل اليمنية الكبرى، أثناء محاولات النظام الليبي السابق استخدامها ضد السعودية.
وبدا من صورة رسالة «monday» وصور رسائل أخرى سيرد ذكرها في موضعها، أن مخابرات القذافي كانت قد وصلت إلى الذروة في محاولاتها المستميتة لزعزعة الاستقرار في السعودية، وبدأ عملاء القذافي في اليمن يخسرون الأرض من خلال عدم القدرة على تجنيد أبناء القبائل الكبرى بعد الفشل في مهمة شن حرب على السعودية على أيدي بعض القبائل في شمال اليمن، وبالتحديد في صعدة.
قبل الدخول في مضمون رسالة «monday»، لا بد من الإشارة إلى أن «الشرق الأوسط» أمضت قرابة سنة كاملة من أجل التحقق من مضمون ما ورد في صور الرسائل والمكاتبات التي حصلت عليها. والتقت لهذا الغرض مع اثنين من الشخصيات المهمة في السلك الأمني والسياسي والدبلوماسي الليبي ممن عملوا عن قرب مع العقيد الراحل القذافي.
الشخص الأول كان يعمل في وحدة المعلومات السرية التابعة للقذافي. وفر في شهر مايو (أيار) 2011 من ليبيا، أي عقب نحو شهرين من بدء ثورة 17 فبراير، بعد أن تجمعت تحت يديه حينذاك معلومات تقول إن نظام العقيد منتهٍ لا محالة. ترك كل شيء، زوجته وأبناءه وسيارته الـ«بي إم دبليو»، وتسلل عبر الحدود المصرية - الليبية من دون مال ولا وثائق ولا ملابس إضافية. دخل مدينة مرسى مطروح المجاورة بقميص وبنطال فقط ولا شيء آخر. وبعد يوم تمكن من الوصول إلى صديق قديم في مدينة الضبعة التي تبعد نحو 400 كيلومتر غرب القاهرة. ومن هناك بدأ يجري اتصالاته لينتهي به المطاف في إحدى العواصم المطلة على الخليج.
تم تحديد اللقاء معه بصعوبة بالغة، وجرى اللقاء في شهر يناير (كانون الثاني) 2012. يقول: هل تريد أن تعرف لماذا لم تتحمس بعض الدول الخليجية الرئيسية لمناصرة المجلس الانتقالي الليبي (السابق)؟ ويجيب: لأنها كانت على علم بأن هناك أعضاء في المجلس كانوا يقومون بأنفسهم بالتخطيط لعمليات تخريبية في السعودية أثناء حكم القذافي.
وفي يناير الماضي طرحت «الشرق الأوسط» جانبا مما توصلت إليه من معلومات على أحد كبار مساعدي القذافي، خاصة في جانب يتعلق بعمليات تنصت غربية على كبار المسؤولين الليبيين، من عدة مراكز على الحدود الليبية، وردت في صور الوثائق المشار إليها، فقال بعد إجراء مقابلة غير مسجلة معه في إحدى العواصم الأفريقية، إن «هذه المعلومات صحيحة، والقذافي أجرى اتصالات وعاتب أحد رؤساء دول الجوار فأخبره أن مراكز التنصت تلك موروثة منذ الرئيس السابق، ولا يمكنه التخلص منها». وسترد تفاصيل قضية التنصت هذه فيما بعد.
ويوجد ما هو أخطر من كل ما سبق، خاصة أن بعض صور المراسلات تكشف عن قيام عضو سابق في المجلس الانتقالي يدعى «م.ك» كان حتى الأيام التي سبقت شهر فبراير 2011 يزرع الخلايا التخريبية في السعودية التي كان يدخلها بين حين وآخر تحت ستار الحج والعمرة، ويقدم نفسه للجاليات الأفريقية في مكة والمدينة والرياض تحت ستار «رجل أعمال لديه مشروعات في أفريقيا».
ويقول مسؤول كبير في وزارة الدفاع الليبية الحالية يدعى «العقيد عادل.م.ب». ممن عملوا في السابق في جهاز استخبارات النظام السابق قبل أن ينشق عنه، إن الأيام الأخيرة من حكم القذافي كان يسود فيها شعور عام داخل جهاز الاستخبارات بأنه، أي الجهاز، يتلقى ضربات متتالية وقوية من جانب السعودية، بسبب قيام القذافي بتمويل أنشطة متعددة ضد المملكة عبر عملاء له في اليمن ومصر والعراق ومن تنظيم القاعدة ومن كل فرصة يجدها أمامه.
ويذكر الرجل أن العمليات التي كان القذافي ينفق عليها ملايين الدولارات كانت تستمر قليلا وتفشل قبل أن تصل لغايتها.. «أكبر فشل كان على جبهة الحدود السعودية الجنوبية.. طبعا كان هناك تخطيط على الجبهة الشمالية، خاصة في ظل الأوضاع المتردية في العراق، وكانت هناك عمليات تمويل لوجهاء وصحافيين من مصر، لكن مسألة الهزيمة على جبهة صعدة، رغم كل ما قدمه النظام الليبي السابق من أموال وأسلحة، جعلت مخابرات القذافي تبحث عن بدائل».
وتبين خلال رحلة جمع صور الوثائق والمعلومات والتحقق منها، وبالتحديد في شهر سبتمبر (أيلول) 2012، أنه كانت هناك بالفعل محاولات مستميتة من جانب القذافي لزرع الفتن في السعودية، سواء من جبهة اليمن جنوبا أو غيرها، بما في ذلك تمويل عرب يقيمون في أوروبا.
ونعود مرة أخرى للرسالة المعنونة بـ«monday»، الواردة من العميل الملقب «the only» على البريد الإلكتروني لـ«ديسكفر» يوم 29 نوفمبر 2010، وتتحدث عن تغييرات جوهرية في الولاءات التي كان يقدمها بعض القائمين على الحرب ضد الحكومة اليمنية وضد الحدود السعودية الجنوبية.. تغير الولاءات بدا في هذه الرسالة بمثابة فشل لما كانت تقوم به مخابرات القذافي.
تقول الرسالة: «بسم الله الرحمن الرحيم. الحوثيون اكتشفوا مؤخرا أن الشيخ (س. س. أ. ل) يتعامل مع حزب الله في لبنان منذ أربع سنوات باسم أنه ممثل للحوثيين دون علمهم ويأخذ ويعطي مع رجال الحزب تحت هذا الاسم، وينقل الأخبار أولا بأول إلى السعودية وصنعاء، وقد اندهش الجميع من هذا الأسلوب».
ومن المعروف أن حزب الله له علاقة قوية مع إيران، ومن المعروف أيضا أن إيران متهمة بمحاولة زعزعة منطقة الحدود اليمنية - السعودية عن طريق الحوثيين الذين يعتنقون مذهبا شيعيا مواليا لمذهب ملالي طهران.
ومما يرد في الرسالة بعد ذلك، يشير إلى أن هذا الشيخ الذي يبدو أنه كان يريد فهم الدور الإيراني في اليمن من خلال أصدقاء إيران في حزب الله، كان يتعامل أساسا مع الليبيين قبل أن يبدأ في الابتعاد عنهم، مع أشخاص آخرين سترد تفاصيل عنهم فيما بعد.. ليس الابتعاد عن المخابرات الليبية فقط، ولكن أيضا تغيير بوصلة توجهاته وتوجهات شيوخ آخرين لصالح محاولات فرض الاستقرار في اليمن، خاصة مع تزايد أنشطة الحوثيين العسكرية ضد كل من الحكومة اليمنية والحدود السعودية.
وتظهر في الرسالة محاولات عميل مخابرات القذافي التقليل من شأن النشاط المتزايد لقبيلة «بكيل»، وهي من أكبر القبائل اليمنية التي قررت وقتها الانحياز للدستور والقانون ووحدة الدولة اليمنية، خاصة بعد نجاح المؤتمر الذي عقدته القبيلة برئاسة «الشيخ أمين.ع». يوم الأحد 7 نوفمبر 2010، بمحافظة الجوف وبحضور الآلاف من أبناء القبيلة بناء على اقتراح من «الشيخ س. أ. لحوم».
الهدف من المؤتمر كان توحيد «بكيل» على كلمة واحدة لتحقيق الاستقرار في اليمن الذي كان يشهد وقتها حرب الحوثيين في الشمال، ومناوشات تنظيم القاعدة في الجنوب.
ويعني استقرار اليمن الذي تسعى إليه قبيلة «بكيل» استقرار جيرانه وعلى رأسهم السعودية. لكن العميل الليبي الذي يبدو من رسالته أنه حضر المؤتمر، قلل من شأن التحركات القبلية التي كانت مفاجأة بالنسبة للمتعاونين مع النظام الليبي السابق في اليمن.
وبينما دعا المؤتمر (الذي أطلق عليه عملاء القذافي اسم «مؤتمر العكيمي») أبناء قبائل بكيل واليمن إلى حل الخلافات، وفض النزاعات، وعقد صلح عام بين كافة أطراف الوطن الواحد، قالت رسالة «the only» التي تلقتها وحدة المعلومات السرية المجاورة لمكتب القذافي في طرابلس: «يوجد خلاف على المناصب في مؤتمر العكيمي ولحرصهم على عدم الفشل أخروا الاجتماع الثاني لذلك المؤتمر حتى تتم الاتفاقات على المناصب». وأضافت الرسالة أيضا تفاصيل توحي من خلالها أن السعودية ساعدت على إنجاح المؤتمر، على غير رغبة الليبيين.
ويعتبر وزن قبيلة بكيل اليمنية كبيرا، خاصة أن أبناءها موجودون في منطقة مهمة وقريبة من الصراع الدائر في الشمال. وتنتشر القبيلة أيضا بين صنعاء وصعدة. ويرد في الرسالة أيضا أن عملاء القذافي في اليمن لم يصمتوا على ما بدا أنه ضربة سعودية لمخططاتهم، فدبروا عملية لإحراج «الشيخ أمين.ع» برتبته العالية «شيخ مشايخ» وسط باقي القبائل في منطقة الجوف، من خلال تنفيذ عملية خطف مدير مستشفى السلام السعودي في صعدة، على يد مناصرين لهم من إحدى القبائل المتحالفة مع بكيل وشيخها «أمين.ع».
تقول الرسالة بالنص، إنه بعد ما حدث في مؤتمر بكيل: «صنعنا نقمة على الشيخ «أ.ع» غير عادية في قبيلة آل حمد الجوف، بسبب مقتل أولادهم في التفجير الأول الذي لا يرضاه إنسان فيه خير أو ذرة رمل من كرامة أو إنسانية.. «آل.ع «من «آل أ. ج « من قبيلة « و«خطفوا مدير مستشفى السلام السعودي في صعدة أثناء مروره من بلادهم قادما من إمارة نجران، وذلك بهدف الضغط على صنعاء لإطلاق سجين لهم في الأمن السياسي.. فعل طبيعي من دون دوافع».
وتشير الرسالة إلى توريط عملاء القذافي لقبيلة «آل ح» في العملية، وتصوير الأمر على أن لها يدا في خطف مدير المستشفى ردا على مقتل عدد من أبنائهم من قبل في التفجير المشار إليه.
ماذا حدث بعد ذلك؟ وهل بالفعل تم زرع الفتنة هناك كما أراد عملاء النظام الليبي السابق في اليمن؟ تقول الرسالة إنه بعد عملية خطف مدير المستشفى: «قامت الحكومة اليمنية بإرسال حملة عسكرية مكونة من 30 طاقما عسكريا، والربع (من هذا الطاقم عبارة عن) دبابات وطائرة هليكوبتر على «آل ع» لتسليمه».
ويبدو أن هناك شابا نشيطا داخل قبيلة «بكيل» كان يقلق مخابرات القذافي، يدعى «ح أبو.هـ»، خاصة بعد أن أسهم في جمع شمل شباب القبيلة حول الشيخ «أ.ع»، فتقول عنه الرسالة، وهي تحاول أن تطمئن الجانب الليبي وتقلل من شأن هذا الشاب: «(ح أبو.هـ) الذي يدعي أنه رئيس شباب بكيل شخص عادي، ليس شيخا، وهو مكروه من كل القبائل الشريفة».
هذه الرسالة الواردة من «the only» ليست الوحيدة التي خرجت من عملاء القذافي في اليمن في تلك الفترة التي كان فيها كل من اليمن والسعودية يكبحان جماح المتمردين الحوثيين الذين تعدوا على حدود المملكة.. هناك رسائل أخرى يظهر منها أن النظام الليبي يشعر بالفشل في خططه التي عمل عليها طويلا مع شخصيات من الحوثيين ضد السعودية من جهة حدودها الجنوبية، وكان الداخل الليبي يعاني كذلك من الشد والجذب بين رجال سيف الإسلام ورجال والده البيروقراطيين الأقوياء.
معظم الردود الليبية على الرسائل التي وردت إلى وحدة المعلومات السرية في باب العزيزية في خريف عام 2010 توحي بأن الاتصالات بين عملاء القذافي في اليمن وغير اليمن، والمسؤولين عنهم، تتأخر لدرجة أن بعض العملاء أصبحوا يشعرون بالحرج من تكرار إرسال الرسائل التي لم يعد مقر «باب العزيزية» يرد عليها.
وسبق رسالة «the only» رسالة من عميل آخر في اليمن يلقب نفسه بـ«سمران» (semran)، وتلقتها وحدة المعلومات السرية الليبية على البريد الإلكتروني الخاص بـ«descover» يوم السبت 30 أكتوبر 2010.
ويقول نص هذه الرسالة، مع تصويب الأخطاء: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخي العزيز. كيف الحال؟ المعذرة للإزعاج.. تحياتي للأستاذ.. الموضوع: كان فيه رسول من لديكم اسمه أبو سفيان أرسل معي أمانة وأعطاني رقم واسم الشخص، وعندما اتصلت بالشخص وجدت الاسم مختلفا فأوقفت التسليم حتى أتأكد منكم هل أسلم لصاحب الرقم نفسه دون التأكد من الاسم.. أرجو الإفادة لكي أبلغهم بالتسليم. هذا من جانب. الموضوع الآخر، للمواضيع الذي تفاهمت والأستاذ، أنها الآن كلها جاهزة للعمل. منتظر التوجيه».
وتختتم رسالة «semran» بالإشارة إلى استمرار نشاط نظام القذافي في محاولات إفشال التوافق بين القبائل اليمنية والحكومة، وكذا محاولات إفشال عقد الاجتماعات والمؤتمرات للم الشمل ووقف الاقتتال والحرب. وتقول الرسالة: «المؤتمر الذي أبلغت عنه عملت على فشله، ولكن قبل ثلاثة أيام قاموا بإعادة المحاولة للإعداد، ولكن بدعم قوي من الجهتين المحلية والشمالية. سوف نعمل على إضعافه وعدة مواضيع أخرى. إذا أمكن أن آتي خلال هذين اليومين، ليوم أو يومين لكي أعود للعمل للأهمية.. مع التحية».
اخبار ليبيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق