اخر اخبار ليبيا/ جريدة القدس - على رغم استمرار المخاوف الأمنية التي
تُسبب قلقا عاما لدى الليبيين، برزت في الأيام الأخيرة مؤشرات إلى تحسن
الوضع نسبيا، إذ أعلن وزير الداخلية العميد عاشور شوايل انضمام أكثر من 27
ألفا من "الثوار" الذين كانوا يعملون في اللجنة الأمنية العليا إلى وزارة
الداخلية. وأشار الى أن قسما من فرق الإسناد، وبعض فروع اللجنة، يساهمون
الآن مع الشرطة والجيش في بسط الأمن وتحقيق الأمان. ودعا شوايل الكتائب
المسلحة إلى تسليم أسلحتها والانضمام إلى أجهزة الدولة للمساهمة في حفظ
الأمن والاستقرار و"الالتفات إلى بناء ليبيا". ويقدر عدد المليشيات المسلحة
في ليبيا بنحو 2000 ميليشيا، لكن لا يوجد إحصاء محدد بعدد المنضمين إلى
صفوفها الذين يقدرون بنحو 100 ألف شخص، غالبيتهم من الثوار الذين حاربوا
كتائب القذافي وقاموا بإسقاطه، ويرون أن لهم الأحقية في فرض الأمن ويرفضون
تسليم أسلحتهم.
وتستمد هذه الجماعات خطورتها على الأمن الوطني من كونها ورثت مخزونا من الأسلحة والأجهزة المتفجرة، وأن ترسانة كبيرة منها لا تزال خارج سيطرة الحكومة الليبية وتمثل تهديدا مباشرا لأمن البلد والمنطقة. وألقت الاشتباكات العنيفة التي جرت في طرابلس وبنغازي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والتي استخدمت فيها قذائف "آر بي جي" ومدافع رشاشة وقنابل، الضوء على سطوة المجلس الأعلى للأمن الذي كان طرفا في هذه الأحداث. ويتألف المجلس من تجمع الميليشيات التي انضوت تحت لواء وزارة الداخلية، في إطار خطة الدولة لضم الميليشيات المسلحة إلى الأجهزة الأمنية الرسمية.
منظومات موازيةإلا أن المجلس أصبح رمزا لازدواجية المؤسسات والمعايير الأمنية، وبات هو نفسه يشكل جهازا أمنيا موازيا للداخلية مستفيدا من قصور الأجهزة النظامية، ومرتكزا على سمعة أعضائه كثوار شاركوا في المعارك التي أطاحت بالقذافي، تماما كما تعمل ميليشيا "درع ليبيا" كمنظومة موازية للجيش. ويضم المجلس الأعلى للأمن عشرات الآلاف من الأعضاء يقومون بتأمين المباني في المدن ويجوبون الشوارع في دوريات، وهم يرتدون زيهم الأسود الذي يحمل شعار المجلس، أو بالملابس المدنية ويشاركون في فرض الأمن على الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش جنبا إلى جنب مع أفراد الشرطة. وفي سبتمبر الماضي اقتحم أعضاء من المجلس فندق "ريكسوس" في طرابلس احتجاجا على مقتل زملاء لهم من أعضاء المجلس، في حادثة أثارت الذعر بين المواطنين والمستثمرين. واللافت أن عددا كبيرا من أعضاء المجلس هم أنفسهم من أنصار الجماعات السلفية المتشددة، واتهمت إحدى المجموعات التابعة له بهدم أضرحة صوفية من دون عقاب أو مساءلة.
ومن أكبر الكتائب في ليبيا كتيبة 17 فبراير، ثم راف الله السحاتي التي يقودها إسماعيل الصلابي الذي نفى اخيراً الاتهامات التي وجهها له مواطنون بأن كتيبته تمتلك سجنا سريا تعتقل فيه أكثر من 100 مواطن وتقوم بتعذيبهم. واسماعيل الصلابي هو شقيق الشيخ علي الصلابي الذي كان واسطة بين القذافي وأعضاء الجماعات المسلحة المعتقلين قبل الثورة، وقد أقنعهم بالتوبة ليُغادروا السجون.
تحجيم الجماعات المنفلتةومنذ أن حل المعارض السابق علي زيدان على رأس الحكومة ركز على محاولة تحجيم الجماعات المنفلتة إذ وجه في كانون الثاني (يناير) الماضي رسالة إلى الكتائب المسلحة قال فيها: "من الآن فصاعدا نوجه لجميع قادة المجموعات المسلحة بأن مسألة القبض على الأشخاص هي من صلاحيات النائب العام، وأن أي شخص يقوم بذلك سيتعرض بلا شك للعقوبات، وهي عقوبات لا تسقط بالتقادم". وأوضح مصدر أمني فضل عدم الكشف عن اسمه لـالقدس أن الحكومة الإنتقالية، التي تكافح بالفعل لفرض الأمن بعد عامين من الإطاحة بنظام معمر القذافي، تخشى من أن يسعى مقاتلون مرتبطون بتنظيم "القاعدة" إلى اللجوء لأراضيها الصحراوية الشاسعة، بعدما يخرجهم الهجوم الذي تقوده فرنسا من مالي. وأشار إلى العديد من الجماعات المتشددة وجماعات انفصالية متمردة أخرى، استثمرت الفوضى المحيطة بالقتال في مالي، خصوصاً دول الربيع العربي، لبناء ترسانات من الأسلحة، واعتادت على التحرك بحرية عبر الحدود غير المحمية في شمال أفريقيا وغربها.
وكان لافتا ما كتبه عضو المؤتمر الوطني العام (البرلمان الانتقالي) عبد المنعم اليسير في تدوينة على صفحته على الفيس بوك قائلا "إن الكثير من مباني الدولة ما زالت محتلة من قبل مجموعات مسلحة، بعضها تابع للجنة الأمنية العليا وبعضها الآخر لوزارة الدفاع، والكثير منهم يدعون أنهم ثوار، لكن لا نعلم يقينا أنهم فعلاً من ثوار 17 فبراير لأن المتطوعين في كتائب المقبور (القذافي) اختفوا في نفس الوقت الذي ظهر فيه العديد من الثوار الذين لم يكونوا موجودين قبل 20 آب (أغسطس) 2011 (تاريخ دخول الثوار لطرابلس)".
والظاهر أن الحكومة الليبية تركز في الدرجة الأولى على حماية المنشآت النفطية انطلاقا من حرصها على أن تبقى إمدادات النفط والغاز آمنة وتعمل بكامل طاقتها على الرغم من المخاوف الامنية الاقليمية بعد عملية اختطاف الرهائن الدموية في منشأة عين أم الناس الجزائرية. وقام وفد من المؤتمر الوطني العام بقيادة رئيسه محمد المقريف اخيراً بزيارة لعدد من المدن والمناطق التي تحتوي على منشآت النفط والغاز للوقوف على حقيقة الوضع الأمني بعد أحداث الجزائر. كما قالت الحكومة إنها أرسلت فريقا خاصا من الحراس من الجيش لضمان حقول النفط. وتنتج ليبيا قرابة الـ 1.6 مليون برميل يوميا من النفط، و في الشهر الماضي قالت مجموعة "ايني" الايطالية إنها تعتزم استثمار 8 بلايين دولار في ليبيا في أعمال النفط. كما تخطط بريطانيا لإنجاز استثمارات نفطية بقرابة البليون و نصف البليون دولار.
جهاز أمني جديدولعل من المؤشرات البارزة على احتمال السيطرة التدريجية على الملف الأمني تشكيل وزارة الداخلية الليبية أخيرا جهازا أمنيا جديدا بآليات مختلفة عن التجارب الماضية ليحل محل جهاز الأمن الداخلي السابق، الذي كان مجرد أداة لقمع المواطنين وحماية النظام السابق. وتقول وزارة الداخلية إن الجهاز الجديد سيتكون من ضباط أكفاء وطنيين ومناضلين سياسيين مشهود لهم بالنزاهة والخبرة في المجال الأمني، ومن بعض السجناء السياسيين والثوار والضباط ذوي الخبرة الذين لم تلطخ أياديهم بدماء الشعب الليبي". وسيُبنى الجهاز بحسب وزير الداخلية شوايل بعقيدة أمنية جديدة وآليات حديثة. وستكون ضمن مهامه التحقيقات الجنائية وحماية البعثات الدبلوماسية الموجودة في ليبيا. وعلق المحلل أشرف الشح على امتناع بعض الكتائب عن الانضمام للجهاز الجديد بأنه "موقف لا مبرر له خاصة بعد أول تجربة ديموقراطية في ليبيا وخلق أول سلطة شرعية أقر بها كافة الليبيين"، مُعتبرا إياه "تصرفا خارجا عن الشرعية، والتصرف الخارج عن الشرعية له إجراءات يجب أن تتخذها السلطة التنفيذية التي تقدمت لحكم ليبيا في هذه المرحلة" على حد قوله.
ذلك مظهر صغير من المصاعب والتحديات التي تحف ببناء الجديد في ليبيا الجديدة. لكن أيا كانت العقبات فإن الاصلاحات التي تطاول حاليا الأجهزة الأمنية والعسكرية، لا يمكن النظر إليها إلا بوصفها بداية تنفيذ استحقاقات المرحلة الإنتقالية، التي ترمي لإيجاد مؤسسات الدولة الحديثة، والتي لم تعرفها ليبيا منذ استقلالها. وهذا المسار كان دوما معقدا ومؤلما في جميع الثورات.
وتستمد هذه الجماعات خطورتها على الأمن الوطني من كونها ورثت مخزونا من الأسلحة والأجهزة المتفجرة، وأن ترسانة كبيرة منها لا تزال خارج سيطرة الحكومة الليبية وتمثل تهديدا مباشرا لأمن البلد والمنطقة. وألقت الاشتباكات العنيفة التي جرت في طرابلس وبنغازي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والتي استخدمت فيها قذائف "آر بي جي" ومدافع رشاشة وقنابل، الضوء على سطوة المجلس الأعلى للأمن الذي كان طرفا في هذه الأحداث. ويتألف المجلس من تجمع الميليشيات التي انضوت تحت لواء وزارة الداخلية، في إطار خطة الدولة لضم الميليشيات المسلحة إلى الأجهزة الأمنية الرسمية.
منظومات موازيةإلا أن المجلس أصبح رمزا لازدواجية المؤسسات والمعايير الأمنية، وبات هو نفسه يشكل جهازا أمنيا موازيا للداخلية مستفيدا من قصور الأجهزة النظامية، ومرتكزا على سمعة أعضائه كثوار شاركوا في المعارك التي أطاحت بالقذافي، تماما كما تعمل ميليشيا "درع ليبيا" كمنظومة موازية للجيش. ويضم المجلس الأعلى للأمن عشرات الآلاف من الأعضاء يقومون بتأمين المباني في المدن ويجوبون الشوارع في دوريات، وهم يرتدون زيهم الأسود الذي يحمل شعار المجلس، أو بالملابس المدنية ويشاركون في فرض الأمن على الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش جنبا إلى جنب مع أفراد الشرطة. وفي سبتمبر الماضي اقتحم أعضاء من المجلس فندق "ريكسوس" في طرابلس احتجاجا على مقتل زملاء لهم من أعضاء المجلس، في حادثة أثارت الذعر بين المواطنين والمستثمرين. واللافت أن عددا كبيرا من أعضاء المجلس هم أنفسهم من أنصار الجماعات السلفية المتشددة، واتهمت إحدى المجموعات التابعة له بهدم أضرحة صوفية من دون عقاب أو مساءلة.
ومن أكبر الكتائب في ليبيا كتيبة 17 فبراير، ثم راف الله السحاتي التي يقودها إسماعيل الصلابي الذي نفى اخيراً الاتهامات التي وجهها له مواطنون بأن كتيبته تمتلك سجنا سريا تعتقل فيه أكثر من 100 مواطن وتقوم بتعذيبهم. واسماعيل الصلابي هو شقيق الشيخ علي الصلابي الذي كان واسطة بين القذافي وأعضاء الجماعات المسلحة المعتقلين قبل الثورة، وقد أقنعهم بالتوبة ليُغادروا السجون.
تحجيم الجماعات المنفلتةومنذ أن حل المعارض السابق علي زيدان على رأس الحكومة ركز على محاولة تحجيم الجماعات المنفلتة إذ وجه في كانون الثاني (يناير) الماضي رسالة إلى الكتائب المسلحة قال فيها: "من الآن فصاعدا نوجه لجميع قادة المجموعات المسلحة بأن مسألة القبض على الأشخاص هي من صلاحيات النائب العام، وأن أي شخص يقوم بذلك سيتعرض بلا شك للعقوبات، وهي عقوبات لا تسقط بالتقادم". وأوضح مصدر أمني فضل عدم الكشف عن اسمه لـالقدس أن الحكومة الإنتقالية، التي تكافح بالفعل لفرض الأمن بعد عامين من الإطاحة بنظام معمر القذافي، تخشى من أن يسعى مقاتلون مرتبطون بتنظيم "القاعدة" إلى اللجوء لأراضيها الصحراوية الشاسعة، بعدما يخرجهم الهجوم الذي تقوده فرنسا من مالي. وأشار إلى العديد من الجماعات المتشددة وجماعات انفصالية متمردة أخرى، استثمرت الفوضى المحيطة بالقتال في مالي، خصوصاً دول الربيع العربي، لبناء ترسانات من الأسلحة، واعتادت على التحرك بحرية عبر الحدود غير المحمية في شمال أفريقيا وغربها.
وكان لافتا ما كتبه عضو المؤتمر الوطني العام (البرلمان الانتقالي) عبد المنعم اليسير في تدوينة على صفحته على الفيس بوك قائلا "إن الكثير من مباني الدولة ما زالت محتلة من قبل مجموعات مسلحة، بعضها تابع للجنة الأمنية العليا وبعضها الآخر لوزارة الدفاع، والكثير منهم يدعون أنهم ثوار، لكن لا نعلم يقينا أنهم فعلاً من ثوار 17 فبراير لأن المتطوعين في كتائب المقبور (القذافي) اختفوا في نفس الوقت الذي ظهر فيه العديد من الثوار الذين لم يكونوا موجودين قبل 20 آب (أغسطس) 2011 (تاريخ دخول الثوار لطرابلس)".
والظاهر أن الحكومة الليبية تركز في الدرجة الأولى على حماية المنشآت النفطية انطلاقا من حرصها على أن تبقى إمدادات النفط والغاز آمنة وتعمل بكامل طاقتها على الرغم من المخاوف الامنية الاقليمية بعد عملية اختطاف الرهائن الدموية في منشأة عين أم الناس الجزائرية. وقام وفد من المؤتمر الوطني العام بقيادة رئيسه محمد المقريف اخيراً بزيارة لعدد من المدن والمناطق التي تحتوي على منشآت النفط والغاز للوقوف على حقيقة الوضع الأمني بعد أحداث الجزائر. كما قالت الحكومة إنها أرسلت فريقا خاصا من الحراس من الجيش لضمان حقول النفط. وتنتج ليبيا قرابة الـ 1.6 مليون برميل يوميا من النفط، و في الشهر الماضي قالت مجموعة "ايني" الايطالية إنها تعتزم استثمار 8 بلايين دولار في ليبيا في أعمال النفط. كما تخطط بريطانيا لإنجاز استثمارات نفطية بقرابة البليون و نصف البليون دولار.
جهاز أمني جديدولعل من المؤشرات البارزة على احتمال السيطرة التدريجية على الملف الأمني تشكيل وزارة الداخلية الليبية أخيرا جهازا أمنيا جديدا بآليات مختلفة عن التجارب الماضية ليحل محل جهاز الأمن الداخلي السابق، الذي كان مجرد أداة لقمع المواطنين وحماية النظام السابق. وتقول وزارة الداخلية إن الجهاز الجديد سيتكون من ضباط أكفاء وطنيين ومناضلين سياسيين مشهود لهم بالنزاهة والخبرة في المجال الأمني، ومن بعض السجناء السياسيين والثوار والضباط ذوي الخبرة الذين لم تلطخ أياديهم بدماء الشعب الليبي". وسيُبنى الجهاز بحسب وزير الداخلية شوايل بعقيدة أمنية جديدة وآليات حديثة. وستكون ضمن مهامه التحقيقات الجنائية وحماية البعثات الدبلوماسية الموجودة في ليبيا. وعلق المحلل أشرف الشح على امتناع بعض الكتائب عن الانضمام للجهاز الجديد بأنه "موقف لا مبرر له خاصة بعد أول تجربة ديموقراطية في ليبيا وخلق أول سلطة شرعية أقر بها كافة الليبيين"، مُعتبرا إياه "تصرفا خارجا عن الشرعية، والتصرف الخارج عن الشرعية له إجراءات يجب أن تتخذها السلطة التنفيذية التي تقدمت لحكم ليبيا في هذه المرحلة" على حد قوله.
ذلك مظهر صغير من المصاعب والتحديات التي تحف ببناء الجديد في ليبيا الجديدة. لكن أيا كانت العقبات فإن الاصلاحات التي تطاول حاليا الأجهزة الأمنية والعسكرية، لا يمكن النظر إليها إلا بوصفها بداية تنفيذ استحقاقات المرحلة الإنتقالية، التي ترمي لإيجاد مؤسسات الدولة الحديثة، والتي لم تعرفها ليبيا منذ استقلالها. وهذا المسار كان دوما معقدا ومؤلما في جميع الثورات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق