السبت، 19 يناير 2013

#ليبيا #محمود_جبريل : خطاب مفتوح إلى مواطن ليبي تقطعت به السبل بين عهدين


بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب مفتوح إلى مواطن ليبي تقطعت به السبل بين عهدين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد

تابعت وأتابع بقلق شديد التطورات الأخيرة التي تمر بها بلادنا العزيزة ليبيا والتي قد تشكل في مسارها العام منعطفاً خطيراً ينحرف بثورة السابع عشر من فبراير بعيداً عن تطلعات كثير من الليبيين الذين حلموا بعد سقوط نظام الطاغية بمستقبل مشرق لهم ولأبنائهم يعوضهم عن سني الحرمان الطويلة، تتأسس فيه دولة العدالة والمساواة وتزهر فيه حقوق المواطنة المتساوية لكل اللليبيين واللي بيات دون تفرقة أو تمييز.
ولعلي أرصد المسار العام لهذا الإنحراف في محطات محددة على النحو التالي:-
المحطة الأولى:- وهي تلك التي تلت تحرير طرابلس في أغسطس 2011 مباشرةً، وذلك عندما اتخذ رئيس المكتب التنفيذي في 12 سمتمبر 2011 قراراً بحل كل التشكيلات المسلحة في طرابلس وكان عددها آنذاك ثمانية عشر تشكيلاً مسلحاً وقد كان هذا القرار بحضور سبعة عشر قائد تشكيل وبموافقتهم.. وقد أعلن هذا القرار في مؤتمر صحفي عقد في مساء نفس اليوم بحضور قادة السبعة عشر تشكيلاً مسلحاً..ليتفاجأ الجميع في صباح اليوم التالي بالمجلس الانتقالي متخذاً لقرار معاكس يلغي بموجبه قرار المكتب التنفيذي وينقل بموجبه أيضاً تبعية اللجنة الأمنية العليا إلى المجلس الإنتقالي.
لقد جاء قرار المجلس مؤكداً وموافقاّ لرغبة وإصرار رئيس احدى الدول العربية الذي أعلن في مؤتمر صحفي أمام وسائل الإعلام العالمية في باريس 1 سبتمبر 2011 أن الثوار لا يلقون أسلحتهم أبداً وذلك رداً على إجابة رئيس المكتب التنفيذي في نفس المؤتمر بأنه سيتم جمع السلاح من الثوار, وقد كان كل ذلك بحضور رئيس المجلس الإنتقالي لنفس المؤتمر الصحفي وبحضور رئيس فرنسا ورئيس وزراء بريطانيا..
المحطة الثانية:- تشكيل ما يعرف بلجنة أصدقاء ليبيا في الدوحة من 13 دولة برئاسة قطر وليس برئاسة ليبيا صاحبة الشأن بل أن ليبيا ليست من أعضائها وهو ما يعتبر تسليماً واضحاً وقبولاً كاملاً بأن يخترق الآخرون سيادتنا الوطنية ورغم الإعتراض بشكل علني وفي وسائل الإعلام مرّ الأمر ولازال يمرّ مرور الكرام.
المحطة الثالثة:- إصرار المجلس الإنتقالي على إصدار قانون انتخابات معيب رغم اعتراضات الكثيريين عليه وقد وصلت الملاحظات السلبة على هذا القانون إلى أكثر من أربعة عشر ألف ملاحظة من مختلف أطياف المجتمع. ورغم ذلك صدر القانون وأجريت الإنتخابات وكانت النتيجة الطبيعية أن لا تطابق بين الصوت الشعبي وهيكل عضوية المؤتمر الوطني العام. الأمر الذي أصاب الكثير من الليبيين بالإحباط وخيبة الأمل سيظهر أثرها واضحاً في تدني نسبة الإقبال على صناديق الإقتراع في أية انتخابات قادمة خصوصاً إذا لم يتم تعديل هذا القانون المعيب بشكل جذري ولا يبدو أن مؤتمرنا الوطني معني بهذا الأمر حتى الآن في ظل انشغالاته بقضايا أخرى مثل العزل السياسي والتعاملات الربوية على حساب قضايا تمثل جوهر اختصاصه وسبب وجوده مثل استحقاق الدستور وإصلاح أو إلغاء تشريعات قائمة أو إصدار تشريعات جديدة تؤسس للدولة الليبية.
المحطة الرابعة:- بروز التصادم والتناقض واضحاً بين شرعية صناديق الإقتراع وشرعية السلاح رغم أننا استبشرنا خيراً عندما قام السلاح بحماية صناديق الإقتراع في 7 يوليو 2012. إلاّ أن الأمر بدأ ينقلب في اتجاه آخر فتعددت إنتهاكات السلاح لقاعة المؤتمر، ويبدو أن البعض ممن يمثلون شرعية صناديق الإقتراع وجد في السلاح حليفاً حاول من خلاله فرض وتمرير ما يريد، من خلال توظيف السلاح للضعط على المؤتمر لتمرير ما يريد وما يريده السلاح..
المحطة الخامسة:- بروز دور السلطة الدينية بشكل مؤثر وانحيازها الكامل لتيارات سياسية بعينها رغم أن المرجعية الدينية كان يمكنها أن تكون الحكم الذي تلجأ إليها كل الأطراف فتكون صمّام الأمان الاجتماعي الذي يحول دون الانزلاق نحو فتنة بين أبناء الوطن الواحد في وقت هم أشدّ ما يكونون فيه حاجة إلى الوحدة والترابط.
المحطة السادسة:- زيادة التغلغل الأجنبي من أطراف أجنبية عديدة ودعمها لأطراف سياسية بكل السبل سعياً منها لتشكيل المشهد الليبي القادم بما يخدم مصالحها ومطامعها..وقد بدأت المؤشرات الأولى لهذا التدخل الأجنبي بشكل سافر بعد تحرير طرابلس مباشرةً وما انفك هذا التدخل يتعاظم بكل الأساليب والطرق وما كان له أن يتحقق لو لم يجد من يقدم له كل العون والمساعدة سواء كان ذلك عن اتفاق في الهدف أو جهل بالنوايا.
المحطة السابعة:- التراجع التدريجي لحضور الشارع الليبي الذي كان دائماً عاملاً ضاغطاً ورادعاً للإنحراف عن مسار تطلعات هذا الشعب من ثورة السابع عشر من فبراير وقد كان لموقف الحكومة السابقة من جمعة إنقاذ بنغازي الأثر السلبي الواضح الذي أصاب الكثييرين بالإحباط وخيبة الأمل بل دفع البعض إلى الارتداد والانسحاب من المشاركة في الشأن العام، ولكنه في الوقت نفسه ساهم في خلق قناعة عامة ما فتئت تتعاظم لدى قطاعات عريضة في كل المدن وبالذات في شرقنا الحبيب بأنه
- في ظل سعي بعض التيارات المؤدلجة إلى فرض إرادتها بقوة السلاح..
- وفي ظل ضعف أو تخاذل أو تواطؤ السلطات الرسمية تجاه ذلك،
- وفي ظل إختراق أجنبي لسيادتنا وكرامتنا،
فلابد من فعل جماعي مؤثر يعيد الأمور إلى مسارها ويعيد الأمل مرة أخرى للملايين في بناء دولة عصرية أساسها دستور يساوي بين أبنائها في حقوق المواطنة.
ولعل الأمل لازال قائماً في أن تدرك كل التيارات والقوى التي تحاول فرض إرادتها ورؤاها أن الحوار الوطني بين كل القوى للخروج بوفاق وطني يمثل شرعية مشتركة للجميع وإطاراً مرجعياً مؤقتاً حتى ظهور الدستور الليبي إلى حيز الوجود، قد يكون هو السبيل الوحيد لتجنب الفعل الشعبي القادم من التحقق.
وبالتالي دعوة أخرى وليست أخيرة لكل من يهمه سلام الوطن الاجتماعي والتأسيس الصحيح لدولة القانون والعدل والمساواة بأن ندرك أنه لا مخرج من هذا المختنق إلا عن طريق الحوار والحوار فقط وفي غياب ذلك فالجميع خاسرون وأولهم الوطن.

محمود جبريل
الوطن الليبية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق