نعيش هذه الأيام نقاشين أساسيين في مجتمعنا الليبي أحدهما عن قانون
العزل السياسي والآخر عن لجنة أو هيئة وضع الدستور ومن ثم بعض القضايا
الأساسية المتعلقة بالنص الدستوري.
وأنا هنا أقترح على المؤتمر الوطني العام أن يضيف إلى النقاشين السابقين
نقاشا وحوارا واسعا بشأن بناء رؤية وطنية للتنشئة الاجتماعية لأنه من
الناحية الواقعية هو الأكثر تمثيلا للناس بغض النظر عن انتماءات أعضائه
الحزبية والفكرية التي نحترمها فهي من حقوقهم الأساسية كبشر وكمواطنين. لكن
اجتماعهم تحت قبة المؤتمر الوطني يحملهم مسؤوليات وطنية تتطلب منهم ولو
لحين التنازل عن انتماءاتهم الحزبية التي قد تفرض عليهم الدخول في مماحكات
سياسية أعتبرها طبيعية في الظروف العادية ولكن واقع ليبيا اليوم لا يمكن
وصفه بالطبيعي.
كنت قد تناولت مسألة التنشئة الاجتماعية في مقالين سابقين وها أنا أعود
إليها موجها الحديث لأعضاء المؤتمر الوطني لأنهم من الناحية الواقعية هم
الأقدر على إدارة هذا النقاش الذي ينتهي إلى وضع إطار وطني يناقش فيه بعد
ذلك المختصون والمتخصصون ملامح تلك التنشئة حتى ينتهوا إلى وثيقة ربما تصبح
تشريعا يصدره المؤتمر يوجه كل مؤسسات الدولة تجاه تلك التنشئة الشاملة
للإنسان والبيئات المحيطة به ابتداء من سكنه ومدرسته ومكان تلاقي علاجه
ومتنزهه وحتى مكان وظيفته وأدائه لواجبه الوطني في الخدمة العسكرية.
لست مبالغا إن قلت أننا كمجتمع وقبل ذلك كدولة لم نخضع لأسس وتطبيقات
متفق عليها للتنشئة الاجتماعية تمكن من تحديد ملامح واحدة للمجتمع والوصول
إلى مجموعة من القيم يتفق عليها المجتمع وتظهر بشكل واضح في سلوكهم
وعلاقاتهم.
وفي استطلاع للرأي علمي أعده وأشرف عليه مركز البحوث في جامعة بنغازي
وأداره الدكتور فتحي المجبري جاءت النتائج تؤكد مجموعة من التناقضات في
المجتمع الليبي حيث جاءت أغلب الإجابات في الضدين أي أغلبها تتناقض فبعض
المجتمع يختار التسامح والآخر يميل لاستخدام العنف دون أن توجد منطقة وسط
يجتمع فيها أغلب المجتمع فتكون توازنا بين تلك التناقضات.
إن الاتفاق الوطني على أصول فكرية وقيمية للتنشئة الاجتماعية تبعد
المجتمع بعيدا عن المناكفات السياسية كما نشاهده اليوم في مسألة العزل
السياسي حيث ظهر الأمر وكأننا بين فريقين يحاول كل منهما إقصاء الآخر. إن
الاتفاق الوطني بين أعضاء المؤتمر الوطني على أصول فكرية وقيمية للتنشئة
الاجتماعية تنعكس بعد ذلك على كل أدوات ووسائل التنشئة الاجتماعية مثل
الأسرة التي تحتاج إلى إعادة تأهيل لأربابها من خلال دورات وحوارات توجه
للوالدين بشكل مباشر وتكون متناغمة مع إطار التنشئة الاجتماعية.
ويأتي التعليم في كل مراحلة ليمثل أحد أهم أدوات التنشئة الاجتماعية
فيجب وضع محددات لإصلاحه تتفق مع تلك التنشئة وكذلك الإعلام له دور مباشر
في نجاح التغيير الاجتماعي الإيجابي في المجتمع وبالتأكيد يبقى للمجتمع
المدني ومؤسساته الدور الواسع في هذا الباب.
والمهم في كل ذلك أن ينطلق الجميع من ذات الأصول والقيم التي ستمثل بعد
عدة سنوات النظام العام وترسم ملامح المجتمع الليبي الجديد وتظهر في سلوك
أفراده وعلاقاتهم قيم تلك التنشئة الاجتماعية التي تجعلنا في مصاف
المجتمعات المتحضرة الفخورة بحاضرها والساعية بثبات نحو مستقبلها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق