أي تجاوز أو إلغاء لدستور 1951 لا يعول عليه
وبناءً على ما سلف و على المعاني السابقة نفسها ، فإنّ :
” مؤتمر وطني عام “من غير إرثٍ دستوري يعتز به ويعيد الحياة فيه لا يعول عليه
فكيف ، إذن، مازال التاريخ الليبي ( في شأن هذه القضية المصيرية ) يخضع
طائعاً لذهنية الإنقلاب العسكري التسلطية ، ولمزاج الإنقلاب المدني
العشائري المتلبس بالتحايل السياسي، ولدعوات التأثيم اليقيني المكابر صنيع
الإكراه والغبن ؟ فبعد أن ألغى الإنقلاب العسكري باسم ” الحرية” بخفة
ورشاقة عجيبة فخوراً ممتناً دستور 1951 ، هاهو ” المؤتمر الوطني العام”
المنتخب عشائرياً والمنفصل عن محيط المجتمع القيمي وتاريخه الميداني يقتدي
بالإنقلاب و يزهد في هذا الدستور فخوراً وممتناً ايضاً ويرفضه بإرادة
متسترة وراء حجب مبهمة لا تبدو واضحة ولا تستند بما فيه الكفاية من قدرٍعلى
إرادة الكتل الإجتماعية الليبية الكبرى المتمثلة في الغالبية الصامتة ،
أما الداعية ومالك الحقيقة والحسبة والحل والربط وسبل الإضطرار وإرغام
الغير على الطاعة والإفتاء في شؤونهم المصيرية فيُقيد الدستور بأغلال
التأثيم تطلعاً للمجد والسطوة نافياً للواقع المخالف لمعتقده وكذلك فخوراً
ممتناً .
فليس من عجبٍ ، إذن، في هذا التلاقي المتناغم المنسجم في هذه الخانة
الفسيحة بين هذه الدوائر الثلاث المتقاطعة طمعاً في المحال إستهانةً بهذا
الدستور الشرعي والرصيد الرمزي الذي هو نتاج التاريخ الليبي في فترة زمنية
معينة لا يتجرأ على طمسها إلا مستبد ذو ذهنية تحريمية تريد أنْ يأتمر
الناس بأوامرها وترغمهم على ذلك من داخل فكرة عصبيته الإجتماعية انتقاصاً
من دورهم والحدّ من حريتهم ومن ثمة لصرف عامة المواطنين عن المشاركة في
العملية السياسية.
فما من شكٍ في أنّ فكرة العصبية فيها بعض الزهو بالسلطة وهي ترفض الإرث
الدستوري من باب حشره في خانة واحدة مغلقة الأبواب باعتباره حسب هذه الفكرة
الساذجة ما كان إلا دستور يخص القلة القليلة تمييزاً لطرف دون غيره ، غير
أنّه وعكس هذا الإعتبار فإنّ دستور 1951 لم يكن عملاً فكرياً أو سياسياً
تستأثر به النخب والتكتلات والأحزاب السياسية أو قراراً سياسياً تتحكم فيه
سلطة سياسية بعينها ، بل كان انجازاً وطنياً صنعه الأباء المؤسّسين فلم يكن
منحة لأحد ولا منة من أحد وبالتالي تجاوزه من دون استفتاء إرادة الناس في
شأنه هو تعطيل لطموح الناس وتجاهل للعدالة والإنصاف في حق هذا الإرث وفي حق
قَدر هذا الإنجاز التاريخي المُميز. فالزهو هنا يخلو من العدل ويتماهى مع
التعسف وينحو نحو التمادي في فرض إرادة فريق على فريق آخر من دون رضاه.
اعجوبة هذه الإستهانة أنّها ستكون استهانة معقولة ومقبولة وذات مضمون
دقيق ومشروع إذا كان من الممكن منطقياً وتاريخياً نفي ومحو أحد أهم مكتسبات
الجهاد الليبي وملاحمه النبيلة ، علماً أنّها استهانة تصادر نفسها بداهة
وتُخضع التاريخ لفكرة سياسية مسبقة هزيلة تقوم على دوافع ذاتية وإنْ تري في
عين ذاتها الحق واليقين فهي من دون رأي الناس وحقهم في تعديل أو تغيير
دستور الإستقلال إنْ هي إلا استهانة تبيع وهم الحرث في الماء المتجمد لمجرد
الحفاظ على مواسم الجفاف .
كل اغتيال ووأد و تأثيم لدستور 1951 لا يعول عليه
فهل يمكن استغفال التاريخ مرة أخرى من أجل لحظة انتصار عابرة لصياغة
دستور جديد منفصلة معانيه ومراميه عن واقع هذا البلد واطيافه الإجتماعية
والثقافية المتعددة و بمعزلٍ عن منظومة القيم والمعايير السائدة في المجتمع
؟ وهل من العسر أن تكون ليبيا الجديدة متصلة بليبيا الإستقلال بعيداً عن
رفع الرماح المقدسة التي تُرفع في وجه الخصوم لجلب الإنصار التابعين
واستثارة عواطفهم ؟ أليست هذه الوثيقة بعقدٍ سياسي واجتماعي وثيق الصلة
بمحيطه الآني وباستشراف المستقبل واستبطان الماضي بصوت الواقع ومنطق العقل
وصلب العقيدة وبمستوى اللحظة التاريخية التي يمرّ بها هذا البلد وما يصبو
إليه في حاضره ومستقبله؟
الوقت الحالي لابد له من إرثه يخطو إليه , أحرى أن يكون تعديلاً في
الرؤية وفي ادراك مطامح هذا البلد ، فقد نقبل أو نرفض دستور 1951 ، كلياً
أو جزئياً، لكن لا سبيل إلى إنكار أنّه عمل و انجاز تاريخي من الطراز الأول
. فكيف ، إذن، لا يستطيع هذا البلد أن يستعيد هذا الإرث وهذا النموذج
وأن يعدّل فيه ماشاء التعديل بالنقد والتعبير والنقاش والمحاجة بعيداً عن
الإستكبار المتعصب وعن مهارة الغَرفِ من معين المقدس ومشاعر الناس البسيطة؟
في هذه اللحظة التي تصطرع فيها قوى كثيرة ، ويشتبه فيها أمر الوفاق العام
، تزيد الحاجة إلى أنْ يتجاوز هذا البلد منظومة الإستبداد القديمة
وجرائرها الحالية التي تجول في البلاد وتصول ؟ فهل هذا مطلب بعيد المنال؟
كلّ استهجان لدستور 1951 يروّج له المتعسفون باطيافهم المختلفة لا يعوّل عليه
فهذه الوثيقة ليست كتاباً منزلاً من السماء بحيث لا يجوز تعديله أو
تنقيحه باضافة احكام جديدة أو بتغيير مضامين البعض فيه تبعاً لتغير حاجات
هذا البلد وقضاياه الآنية بما يتيح التعامل مع الواقع الليبي بمرونة
ومنهجية واضحة ، كما وليس بكتاب مقدسٍ مفقودٍ نذرف الدمع من أجله ونتباكى
عليه وننوح كما يعتقد ويحاول بعض المتعسفيين أن يروجوه عند الحديث عن دستور
1951 و الذين في تعسفهم الذهني لا يقلون ضرواة عن الحاكم المستبد في حكمهم
على الأشياء وأراء الآخرين ، فهذا الدستور ليس حلقة مناحة أو بكاء أو قبض
في حالة يأس ، بل هو أعمق وأنبل من أية نظرة سطحية عابرة تتناوله بالسخرية
والإستكبار، إنّه قضية هذا البلد الأساسية وعبقريته التاريخية، وهو ليس بنص
مغلق لا يناله التغيير ولا يمسه التحول سعياً للتقدم به حسب تغير وتطور
التحولات التي تطرى على المجتمع ، بل هو وثيقة من صنع البشر ليخدم أغراض
المجتمع سلمياً و يرسي الحقوق ويدعم الحريات ويضمن التوازن بين السلطات
ويسعى إلى مطامح توفير الأمن والإستقرار والاطمئنان والعيش الكريم واحترام
الحرمات وحقوق الناس ، هو المرجع الذي يجب أن يشعر كل مواطن بأنّ ما ينص
عليه هو جزء من هويته السياسية ويتفق مع إرادته وارادة الناس كافة
بثقافاتهم ولغاتهم المتعددة والمختلفة ، فهو المعادلة المانعة للإستبداد
والتسلط والتحارب الداخلي والتصدع والتنازع، وهو المنظومة القانونية التي
تحترم العقائد والقيم التي يُعظمها المجتمع الليبي والتي تقدس الحرمات
والأماكن وتحترم الذاتية الإنسانية وليس فيه ما يسقط الإلتزام بأحكام
الدين، وهوليس فكر دخيل على هذا البلد أو دينه ومعتقداته .
أما في ذاته فهو ليس مسكون بذهنية الخوف على الهوية أو مهتزاً أمام
التعدد الفكري والثقافي، فليس هناك ما يحول دون استثماره وتعديلة وفق الطرق
و الضوابط الدستورية الخاصة رغم أنّها امكانية ليست سهلة أو يسيرة ، فهو
لا يخص فئة دون غيرها ، أو ثقافة دون غيرها ، أو مذهب دون غيره ، أو عشيرة
دون غيرها ، أو عرق دون غيره، أو معتقد دون غيره، أو لغة دون غيرها، أو جهة
دون غيرها ، فهو انجاز وطني تاريخي شامل لم يحتكره أحد أو يستاثر به ملك
أو نخبة سياسية ولم يكن تعبيراً مقتصراً على نهج البرامج السياسية لحزب
سياسي فهو ليس جهاز أمنٍ أينما يسير الحاكم يسير الناس حوله وإنْ يشير لهم
بالوقوف يقفوا طائعين متذليلين مستسلمين، فعلى النقيض من ذلك إذ هو السند
الرئيس لشرعية العمل السياسي الكريم وتداول السلطة وتعددية الثقافة وتنوع
وإختلاف تعدد الأحزاب والتيارات السياسية وهو مجال التلاقي السياسي بين
كلّ هذه المكونات وهو في سموه يجمع كلّ قيم التعايش السّلمي المشترك بينها
من دون أية تمييز مذهبي أو عرقي أو لغوي أو ديني أو ثقافي أو جهوي ، هو
صيغة إنسانية لتنظيم المجتمع وحلول مشاكله وهو صيغة مستمدة من حاجات هذا
البلد وثقافاته المتعددة وتاريخه وتقاليده ومعتقداته المقدسة وسائر الأعراف
ومن بنية نداء المؤسسين الأوائل الرائعة ، وهو نبراس التوافق الوطني العام
وفوق ذلك كله هو الرادع للإرادة التحكمية والأهواء المزاجية لشخص الحاكم
وأقرانه. فهو دستور يتكلم بلسان نفسه و يجعل المواطن يتسم بالإباء والشمم
وهو نص لحظي وتاريخي وليس بكتاب مقدس دائم أو أبدي وليس له من التسامي إلا
ما هو في خدمة المواطن وحمايته ، إنّه قضية أخطر وأبعد غوراً من هذا
التاثيم ونفخ اشداق” الأستاذية” على الناس وعليه، ومن دون التقدم على نسج
ونهج هذا الإرث الدستوري ، ستظل مهمة بناء الدولة الحديثة متعثرة ومشكوك
فيها ، فليس أما هذا البلد إلا استعياب هذا الإرث والعمل على احيائه بعيداً
عن الشاشات وفضائيات الثرثرة التي تعبث بأنظمة تفكير الناس .
ارادات الحظوظ الداعية لنسيان دستور 1951 لا يعوّل عليها
إنّ من يطالب بنسيان وإلغاء دستور الإستقلال أو يدعو إلى صياغة دستور
جديد إنما يطالب بالغاء صنيع من كان قبله من المؤسسين الأوائل ناسفاً بذلك
مبدأ العمل التراكمي الذي تقوم عليه بناء الدول ، ومتجاهلاً بقصدية متعمدة
أهمية الرأي العام والتفاعل السياسي مع إرادة الناس ، بل يظهر متعالياً على
المغزى الأسمى للمكون الأساسي للهوية السياسية الليبية ولينبوع الإستقلال
وتاريخ الجهاد الليبي ، فمن يطالب بنسفه بخفة يائسة وبنبذ تهويمي عائم ،
إنّما يؤسس لتدمير شرط إعادة بناء الدولة وهويتها الحقيقية، علماً أنّ
ارادة حظّ هذه المطالبة هي مجرد واجهة مغرية لبضاعة معطوبة ومحاولة
بهلوانية للغوص ببئرٍ جاف لا قرار له. والحال هذا، فمتى كان لإحدٍ الحق
بالقفز على صوت الناس الدستوري و في الإحتيال عليه والسطو من مواده وتعريضه
للزوال والتأثيم بحقه استعدائاً وثأرياً كأنه واقعة ليس لها من دون الله
كاشفة ؟
على هذا البلد أنْ يختار، فالخطأ مرة أخرى عقابه دائم ولا يعول عليه
دستور 1951 هو ترسانة الوجدان الإجتماعي والسياسي الليبي وهو مبدأ
التعريف الأساسي بليبيا الحديثة قبل الإنقلاب العسكري، فهو ليس بفردوس
مفقود يبكيه الناس وينوحون عليه لطماً للصدور ، هو همة العناية بالناس التي
تعطي السيادة للمواطنين باعتبارهم مصدر السلطة ، يؤمنون بالعلوم والمنطق
والعقل والحق والعدل والإنصاف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهو
مركبة الإلهام في ميدان البحث عن هوية دستورية اصيلة لا مكان فيها للسيطرة
على الناس كأنهم رعايا ضعفاء في مزرعة السلطان، وهو التعبير التاريخي
والسياسي عن رغبات واتجاهات الناس المتباينة والمتعددة، وهو النهج المحايد
الذي يدمج الجميع في الحياة السياسية والثقافية التي تقوم على التعدد
الفكري والثقافي ، فلم يكن منحة أو هبة من أحد حتى يزول أو ينسى أو كان
بدعة من صنع مجهول حتى تحرّم وتُأثم ، فهو دستور مستقل بذاته لا يملكه أحد
ولا لإحدٍ عليه من سلطان ، فهو ثمرة تاريخ طويل من النضال والجهاد
والتضحيات من أجل الإستقلال ، لم يسقط ولم يندثر أو يتلاشى عندما اختطف
العسكر بغتةً هذا البلد أمام اعيننا الزائغة ، فهو ليس بلحظة تاريخية عابرة
في خدمة إعلام مزورٍ عابرٍ أو مناورة سياسية شخصية سعياً للبقاء في بقعة
الضوء السياسي المغشوش بعد أنْ يكتشف هذا الإعلام المزوّر أنّ تأثيراته
وطقوسه السياسية غدت تافهة لا معنى لها في أرض الواقع .
إجلال هذا الدستور لا ينبغي أنْ يساء فهمه فهو ليس بنص يُنسى بنزوة
تأثيمٍ عابرةٍ تضيع كسرابٍ في بطن البيد أو البراري ، بل هو الرصيد الرمزي
الكامن في ذاكرة التاريخ الليبي ولن يسقط من وجدان الناس إذا وجده الناس
وتيقّنوه وإلتفوا من حوله وتمسكوا به سياسياً ، فهذا الدستور هو ابجدية هذا
البلد السياسية والشرعية وهو عنصر من أهم عناصر خصوصية ليبيا المعاصرة وهو
مخزون ذاكرة هذا البلد الجماعية التي لن تندثر وخليق به أن يُحترم ولا
يُقتبس منه إلا بإذنه ، ولا ينبغي له ان يكون عرضة للإهمال من أحد بعد أن
خسره الليبيون في المرة الأولى ، فهذا الدستور يعطي للدولة هيبتها ويعزز من
سلطة القانون ويجعل من الحاكم مسؤولاً أمام الناس ويعزز في الدولة انتهاج
سبل التدوال السلمي للسلطة واحترام قواعد القانون وتحقيق العدل والإنصاف
والمساواة ، منه يتعلم المواطن نبذ سياسة العدوان واكتساب ثقافة التنوع
واشاعتها، فمن الإجحاف تغييبه عن وعي الناس السياسي والوطني بهذه العنجهية
الجياشة والشعور بالعزة التي تحاول إقصاء صوت الناس لمجرد القوة والغلبة
اعتزازاً وغروراً وعبطاً .
ففكرة تجاوز هذا الدستور مخيبة للآمال وغير واقعية وليست عادلة ايضاً،
أما هذا الظلم الواقع عليه فلا يمكن أن تخفيه الطلاءات الإعلامية العشائرية
المنوعة المروجة لصياغة دستور جديد، وهي طلاءات لإجل تقطيع أوصال التأريخ
الليبي للتكبير والتضخيم من مرحلة ما بعد الجلاد واقرانه المستبدين
وللتقليل من قيمة هذا الإرث الدستوري ومعادته وعلى عجلٍ و بوجه خاص داخل
قاعة ضيقة الرؤية تدعى ” المؤتمر”.
وبناءً على ما سلف و للمرة الثانية:
” سُئل حكيم : من الأحمق؟ فقال: هو ذاك الحاكم الذي يفعل الشىء مرتين بنفس الطريقة ويتوقع نتائج أخرى مغايرة”
فكيف ، إذن‘ يمكن أن يُبعد دستور الإستقلال بهذه السهولة والخفة ويُلقى
به خارج نطاق التاريخ لكي يُنسى دفعة واحدة كغيمة عابرة فوق وادٍ غير ذي
زرعٍ ؟ فكيف يتفرد ” المؤتمرالوطني العام” العشائري بصياغة دستور جديد
وبإختيار لجنة على الهوى والمزاج والعصبية الفئوية لصياغته والإتجاه به إلى
حيث لا يدري هذا البلد ؟ فهل يميل هذا ” المؤتمر ” العشائري كعادة الأنظمة
الإستبدادية على استقطاب المناصرين والحلفاء والأتباع والأقران المقربين
والحلفاء وابناء العمّ والعصبية ونظائرها وليس على رؤية سياسية واضحة
تتماشى مع آفاق المستقبل واختيار الناس والعمق التاريخي لهذا البلد وكأنما
صناديق الإقتراع الإشتراعية واختيارات من شارك في الإنتخابات لصنع هذا
المؤتمر لم تكن سوى فرقعة اعلامية تملأ العقل بألف سؤالٍ حيث الغالبية
الصامته تراها مجرد احلام عابرة في صناديق فارغة؟
تنفي فئات ” المؤتمر” وفئات أخرى تستأنس بها مسبقاً أن تكون لهذا البلد
إرادة جماعية مسموعة تحمل الوفاء لمن سبقها في صنع الإرث الدستوري، أوأن
يكون له من هدف جماعي نابض ورؤية سياسية تدافع عنها ، وهو ما يعني نفي
بناء الدولة الحديثة والتماس الصدع من التسلط الفئوي العشائري والجماعي
ونهج المغالبة ، وتغدو صياغة دستور جديد في هذا السياق فارغة من كلّ ماهو
أصيل في التاريخ الليبي ويصب في مصلحة العشائر والأحلاف ، ففئات هذا قوامها
وهي في عجلٍ تصوغ دستور جديد لكن لوأد دستور 1951 لا تتجه عملياً أو حتى
تسعى نحو التقدم وخلق شروط التطور،بل إنّها تعيد انتاج احتفائيات الإنقلاب
العسكري وتنشد ولادةَ بلدٍ لا تاريخ له.
فهل من الصعب الرجوع إلى التاريخ وخبرات المؤسسين الأباء لكي يجد هذا ”
المؤتمر الديمقراطي” الحل المناسب لهذا البلد؟ فهل من المستحيل ، إذن،
إقامة علاقة متجددة مع دستور 1951 وإعادة توظيفه من أجل بناء العمل السياسي
المتواصل في بناء الدولة الدستورية التي تنتهج سنن العدالة والإرادة
العامة وسيادة القانون وتداول السلطة بعيداً عن سنن العصبية التي يتبرقع
بها هذا ” المؤتمر” واشباه المثقفين وحملة شهادات محو الأمية من الماجستير
والدكتوراة أو أية القاب تزخر بالمعرفة ” التامة الكاملة” الطلقة والوصاية
المطلقة ذات العلو على حريات المواطن الفرد و على حقوقه بالعاب مقايضة
استعراضية بهلوانية اعلامية لا تحترم عقلية المواطن بل وتستهجن ذكائه
وتحتقر انظمة تفكيره لتتسلط عليه وعلى فرض الطاعة لأرائها وأحكامها على
المجتمع ؟
لنذكر، على الدوام ، أنّ انتخاب أيّ هيئة سياسية أو ” مؤتمر عام” لا
يعطيه الحق بالإنفراد بالقرار ات المصيرية والإستئثار بالسلطة ، فليس له من
حق في الواقع سوى حق إدارة شؤون البلد العامة حسب ” الإعلان الدستوري”
الذي اتخذه له من أمره نهجاً ، فثمة من فارق بين إرادة الفئة المهيمنة و ”
المؤتمر” المختار وبين إرادة الناس وعدد اصواتهم ، فلا معنى للأولى من دون
الثّانية.
فمتى سيكون هذا البلد مسؤولاً عن مصيره ويتجاوز الروع من فكرة السلطة
والخضوع لها ولهذا الإستعراض البهلواني وبمعزلٍ عن الحلول النهائية وثقافة
السلاطين ؟ فبعد أن جرّب هذا البلد الإنتصار لنفسه ، فهل سيبيح لسلطان آخر
مع عشائره وفلولها أن يقوده إلى بحر الظلمات ويتركه في العراء لعقود أخرى
يصرخ بأعلى صوته في مرآة في بئرٍ غائرٍ.
فمن هي الفئات التي تنتهج نهج الإغتيال والوأد في حق دستور 1951 ؟ إذا
كان في العمر بقية ، فسوف يكون الجواب هو موضوع الجزء الثالث والأخير من
هذه الكلمات ومن السؤال عقب السؤال؟
ملاحظة :
درءاً لأي التباس ، لابد من ملاحظة توضيحية هامة ، فقضية دستور 1951
وفكرة الدعوة له ليست من ابتكار كاتب هذه السطور أوهي من أم اختراعه والقول
بخلاف ذلك مصادرة لحق أصحاب الرؤية الأصليين مصادرة لا تخلو من تعسف أو
استبداد وهذا كلام ليس بمقتضى التصريح المحظ وإنّما تستدعيه الأمانة
والإعتراف بحقهم وعظيم التزامهم بهذه القضية التزاماً لا تصمد للمقارنة معه
أي دعوة أخرى في هذا الشّأن و في هذا المسار بالذات ، ولا يحق لكاتب هذه
السطور ، والحالة هذه، أن لا يشير إلى أبي الرؤية الدستورية في تاريخ
المعارضة الليبية السياسية المعاصر الشيخ محمد بن غلبون والإتحاد الدستوري
الليبي الذي تخطى بحكمة ومنذ 7 اكتوبر من عام 1981 وحتى الآن ستور
الاديولوجيات والمكاسب الفردية ليمسك ويتمسك مباشرة بما هو حقيقي في تاريخ
هذا البلد وظلّ وفياً لهذه القضية وحتى اللحظة ولموقف المؤسسيين الأباء أي
لهدفهم الأسمى في بناء الدولة الليبية الحديثة. فهذا المقال باجزائه
الثلاثة قطرة في رؤية أشمل وأدق وأعمق من بحر الأصل ، الإتحاد الدستوري
الليبي ، ومن حكمة مؤسسه و رئيسه الشيخ محمد بن غلبون.
الواجب في هذا التوضيح واضح لا يداخله الإشتباه أو التّردد إلا في طبائع
ذهنية الإستبداد التي تمانع بكلّ تعسف ما هو من الإنصاف والحق والعدل في
حقوق الغير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق