الثلاثاء، 5 مارس 2013

#العزل_السياسي في #ليبيا بين تجاذبات الإقرار وتنافرات التطبيق

عزل
بعد انتصار الثورة الليبية تعالت أصوات شعبية تُنادي بضرورة إيجاد آلية لاستبعاد من ساهم في إطالة عمر نظام القذافي حفاظا على مُكتسبات وأهداف الثورة.
وسرعان ما اتسعت رقعة الحراك الشعبي بخروج مُظاهرات سلمية مُتوالية في العاصمة طرابلس وبنغازي إضافة إلى عدد من المدن مُطالبة المؤتمر الوطني العام بضرورة الشروع في سن قانون للعزل السياسي بأسرع وقت.
وفي حين يستعد فيه المؤتمر الوطني العام اليوم الثلاثاء للتصويت على مشروع قانون حول العزل السياسي الذي صوت أعضائه في وقت سابق بالإجماع على إقرار قانون للعزل السياسي في ليبيا دون إجماع على مشروع مُحدد.
تباين آراء الشارع الليبي حول الشكل النهائي لقانون العزل السياسي
يرى بعض المُواطنين ضرورة العمل على عزل كل من تقلد منصبا قياديا في نظام القذافي منذ انقلابه في سبتمبر عام ألف وتسعمائة وتسعة وستين وحتى اندلاع الثورة في فبراير عام ألفين وأحد عشر فيما يرى البعض الآخر أنه من المُجحف عزل كل من ذُكر إذ أن هناك من تقلد مناصب قيادية ولم يتورط في إراقة دماء الليبيين ونهب وسرقة المال العام.
أما الكتل الحزبية والمُستقلين داخل المؤتمر الوطني العام فقد تقدموا بمقترحات ومشاريع لسن القانون وفق توجهاتهم الخاصة إذ تفاوتت الخطط المُتعلقة بالقانون من حزب لآخر ومستقل وآخر بناء على ما طلبته رئاسة المؤتمر مع تشكيل لجنة إعداد لمشروع قانون العزل من أعضاء المؤتمر كُلفت بقبول المُسودات الأولية والآراء المُتعددة للأعضاء للمُساهمة في تعديلها وتنسيقها أو إعادة صياغتها وإعدادها فنيا وقانونيا بالتشاور مع اللجنة القانونية بالمؤتمر الوطني العام.
العزل السياسي بمنظور المسؤولين والحقوقيين ومؤسسات المجتمع المدني 
يرى عضو المؤتمر الوطني العام عبد العزيز صهد أن العزل السياسي إجراء احترازي لإعطاء فرصة لوجوه جديدة في قيادة البلاد بعيدا عن الأساليب التي تعود عليها من عمل مع القذافي وكون شبكات بعد انتصار الثورة وحجز مكانا في مفاصل الدولة الجديدة وأصبح يُشكل عائقا أمام تقدم البلاد ، لافتا إلى ضرورة عزل هذه الفئة إذ أن العزل لا يعني المنع من العمل نهائيا بل يقتصر على عدم توليهم لمناصب قيادية في الدولة فقط .
ويراه رئيس المرصد الليبي لحقوق الإنسان ناصر الهواري حرمان من الحقوق الدستورية للمُستهدف بالعزل و يجب التحقيق مع من تولى منصبا قبل إصدار أية عقوبات جزائية ضده تجسيدا لتحقيق مبدأ المُساواة الذي يسعى إليه الجميع كأساس لبناء ليبيا الجديدة بعيدا عن زيادة الاحتقان وتهديد التصالح المجتمعي على حد تعبيره.
زاوية
ويطالب الحقوقي والناشط عبد الباسط أبومزيريق بضرورة أن يتم العزل عن طريق هيئة تقصي الحقائق التي بدورها ينبغي أن تتكون من شخصيات وطنية لا شُبهات عليها تتولى فتح الملفات من خلال جلسات استماع علنية ويكون من صلاحياتها التامة العزل لمن ترى أنه قد ارتكب جريمة بعد تقديمه للمحاكمة في محاكم خاصة كضرورة لتحقيق العدالة الانتقالية وليس العزل فحسب إذ يهمه مُحاسبة كل من تعاون مع القذافي في جرائمه سواء تقلد منصبا أم لم يتقلد .
ويُخالف هذا الرأي الحقوقي والناشط نبيل السوكني فهو يؤيد ضرورة العمل على عزل كل من تقلد منصبا في عهد القذافي اثنين وأربعين عاما في إشارة منه إلى المدة التي مارس فيها القذافي ظلمه ودكتاتوريته وأساليب قمعه عندما كان يحكم معه المُستهدفون بالعزل حاليا ، مُنوها إلى أن هناك شخصيات وطنية ونزيهة رفضت العمل مع القذافي .
كما أصدر في وقت سابق حزب العدالة والبناء بيانا حول قانون العزل السياسي دعا من خلاله إلى ضرورة النظر في مسودة قانون العزل السياسي وتفصيلها وفق معايير واضحة لتحديد المُستهدفين بالعزل تحديدا دقيقا وواضحا.
وأكد البيان على أن وجود شخصيات جدلية ارتبطت بنظام القذافي تقود مؤسسات الدولة وتتصدر المشهد السياسي وتُمثل الدبلوماسية الليبية يُعد استفزازا لمشاعر الليبيين وعملا من عوامل عدم الاستقرار من شأنه أن يخلق توترا في الرأي العام مما يؤثر على الإجماع الوطني الذي يعد اهم احتياجات البلاد .
وشدد رئيس اللجنة التسييرية لتحالف القوى الوطنية عبد المجيد مليقطة على ضرورة توخي الحذر في إصدار قانون العزل والاطلاع على كافة قوانين العزل التي صدرت بعد انتصار الثورات في العالم والاستفادة منها بعيدا عن الحسابات الشخصية و يرى وجوب أن تُراعى حقوق الإنسان والتركيز على عزل السلوك وما قدمه كل شخص خلال فترة عمله في نظام القذافي حتى لا يحيد القانون عن غرضه في المُحافظة على أهداف الثورة إلى قانون انتقامي على حد تعبيره وهو ما ذهب إليه ثوار المنطقة الشرقية في ملتقاهم الأول الذي عُقد بمدينة البيضاء مؤخرا والذي شددوا فيه على ضرورة تحديد المُستهدفين بالعزل بدلا من إقصاء الجميع.
كما تُوافقهم الرأي عضو المؤتمر الوطني العام زينب التارقي التي طالبت باستفتاء شعبي حول خلق ملامح ورؤية غالبة لقانون العزل فهي ترى أن هناك عدة بنود في القانون قد تكون مُجحفة في حق البعض ، مُشيرة إلى أنه سيعزل قرابة نصف الشعب الليبي لطول فترة حكم القذافي وهو يستهدف حتى وزير العدل السابق مصطفى عبد الجليل الذي يعتبره الليبييون رمزا من رموز الثورة على حد تعبيرها.
و طالبت التارقي بضرورة تفعيل القضاء بدلا من إصدار قانون العزل لمُحاسبة كل من أجرم وسرق ونهب قبل الثورة وأثنائها وبعدها أو إيجاد بديل في استثناء كل من انشق عن نظام القذافي قبل التاسع عشر من مارس موعد إعلان قرار الأمم المُتحدة رقم ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعون بخصوص فرض الحظر الجوي على ليبيا إبان اندلاع الثورة واستيلاء الثوار على السلاح.
1
الرأي الديني والشرعي للعزل السياسي
يرى مفتي الديار الليبية الصادق الغرياني أن من أنصفَ وتجرّدَ ، وجعل مصلحة الوطن فوقَ كل مصلحة ، لم يجدْ صعوبةً اليومَ – وهوَ يرى الثورةَ تُسرقُ – أن يُقنع نفسَه بأنّ العزلَ السياسيّ ضرورةٌ ملحّةٌ لتصحيحِ مسارِها في إشارة منه إلى أن الثورة لا تُسرق في أموالها فحسب بل في قراراتها ومصيرها فهي بين مخلص عاجز مُشتت الجهود ضعيف النفوذ وحازم كائد يُعيد إنتاج النظام السابق بفساده وانحرافه يخشى العزل السياسي ويجمع خيله ورجله لإجهاضه وإفشاله فهل يخشى العقاب إلا متورط؟
و دعا الغرياني إلى عدم الخلط بين العزل السياسي والقضائي فالعزل القضائي لا اختلاف عليه فهو يتعامل مع الأفراد وله أدواته وإجراءاته والوقت الذي يتطلبه بينما العزل السياسي يتعامل بالمعايير والضوابط التي مهما اجتهد الناس في تجريدها وحياديتها لابد أن تبقى لها استثناءات وتخرج عن قاعدتها شواذ والشواذ هنا معناها ضحايا شملهم العزل كان ينبغي ألا يشملهم لكن ليس هناك حيلة إما ألا يكون عزل أصلا ويغرق الجميع أو يكون فيحرم بعض الناس من الحق في منصب ما كان ينبغي في الاختيار أن يُحرموا منه.
وغرق الجميع لا يقبله عاقل ووطني وغيور على وطنه وما دام ارتكاب إحدى المفسدتين ليس منه بد فالواجب شرعا ارتكاب أخفهما وتقليل ضررهما ما أمكن.
وذكر الغرياني أن مسودة القانون المعروضة قد توسعت في من يشملهم العزل توسعا يبدو أن ما دعا إليه ليس هو الحرص على المصلحة العامة بقدر ما هو –ربما- تعجيز أو إثارة للرأي العام ضد القانون من قبل بعض الكتل السياسية التي هي ضد القانون أساسا وأُحرجت عندما وجدت الشعب الليبي في جملته يُطالب به فكان التوسع والإسراف فيمن يشملهم من باب علي وعلى أعدائي.
وأضاف أن المؤمَّلُ مِن أعضاءِ المؤتمرِ الوطنيِّ العام أن يكونوا في مُسْتوى المسْؤوليَّةِ، وأن يبتعدوا عنِ الأغراضِ، وأن يتحلَّوْا بالموضوعيةِ، والحياد، وعدمِ الظلمِ، وأنْ يُقلّلوا منهُ ما أمْكنَ.فمن المعلومِ أنّ انقلابَ القذافِي – في السنينِ الأُولَى – تظاهر بالتديُّنِ والتمسْكُنِ، حتى تمكّن ولم يتغول ويكشر عن أنيابه وينصب المشانق في الميادين والجامعات ويرسل فرق الموت إلى الخارج للتصفيات ويسلط عصاباته من القوافل الثورية في الداخل للمداهمات واستلاب الأملاك إلا في بداية الثمانينيات فلا عذر لمن بقي في صفوفه أو التحق به في هذه الحقبة السوداء من تاريخه المشؤوم أوائل الثمانينيات وما بعدها فمن تركه قبل ذلك حين تبين أمره لا يمكن أن يسوى بينه وبين من التحق به حين أبدى مخالبه وانقض على فريسته حسب تعبير المفتي .
و يرى عضو الاتحاد العالمي لعلماء المُسلمين الشيخ علي الصلابي خلاف ذلك فيقول أن الشريعة الإسلامية قائمة على دفع المفاسد وجلب المصالح وهو ما يُحتم على الجميع عدم إصدار قانون للعزل يُجلب المفاسد ويشق وحدة الصف فلا عزل سياسي دون قضاء داعيا في الوقت نفسه إلى وجوب حل الكتائب فهي ليست وصية على الشعب الليبي.
وأخيرا يرى الداعية الإسلامي الشيخ خالد الورفلي بضرورة عزل كل من عمل مع القذافي طيلة فترة حكمه لافتا إلى أنه ليس كل من عمل مع القذافي مُجرما وسيئا فهُناك شخصيات وطنية عملت مع القذافي ولم يُسجل ضدها أي تحفظات لكن صمتها عن ظلم القذافي يُشير إلى خوفها وسكوتها عن دكتاتوريته والصنف الأول الذي وصفه الداعية بالمُجرم والصنف الثاني الذي وصفه بالساكت عن الحق خوفا لا يصلح لبناء ليبيا الجديدة على حد تعبيره إذ أن الدولة الجديدة في حاجة إلى أشخاص نزهاء لا يفتقرون إلى الشجاعة.
وكالة أنباء التضامن – طرابلس – نرجس الغرياني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق